مؤسف أن نصل إلى حال بتنا فيه نشعر أن بوصلة الاستقرار لدينا باتت على المحك، وأننا نمر في مرحلة العد التنازلي لتدهور الوضع الأمني تمهيداً لرفع الستار وإطلاق وتدشين مشروع مملكة البحرين الإرهابية المقتبسة من تجارب العراق ولبنان وسوريا، لكي تنضم إلى قافلتهم بشكل رسمي، وأن الأيام بدأت تبدي لنا فعلاً ما كنا نجهله.
لم يعد الوضع قابلاً للتهدئة من خلال «بنج» التصريحات الإنشائية والبيانات الرسمية، فالناس بأنفسهم باتوا يعتلون المنصات ويقولون «بسنا كلام.. شبعنا من ثلاث سنين كلام.. نبي فعل.. نبي قصاص.. نبي إعدام»، وعلى فكرة، يقال إن «كثرة الكلام تقلل الاحترام»، فهل وضعت الجهات المعنية في اعتبارها هذا المبدأ، ونحن لا نجد لديها أي استراتيجية بعد كل حادث تفجير سوى التصريحات والكلام؟ هيبة الدولة بدأت تهتز في أعين الناس، وبدأت تتهاون فيها -بوقاحة وجرأة- أكبر شرمذة للإرهاب وعصاباته؛ هذه العصابة التي كانت قبل سنين قليلة، عندما تنطق أمامها كلمة جهاز أمن الدولة يغمى عليها من الخوف.
بالمناسبة هل تتذكرون وقاحة الأمين العام علي سلمان بعد تفجير قنبلة في أحد مواقف مسجد الرفاع؟ قال إن المسجد بالأصل كان يخلو من المصلين؛ بمعنى هو لا يرى مشكلة في التفجير، وكأن التفجير حلال والمشكلة فقط ستقع عندما يكون هناك مصلون فيه.
تابعوا ليلة حادث تفجير الديه ماذا فعلت نساء المحرق؟؛ افترشن جسر الشيخ حمد اعتصاماً، جلسن على أرضه ورفضن التحرك مع الأهالي وهن يتساءلن إلى متى السكوت والتهاون مع هؤلاء؟ ويطالبن بتطبيق شرع الله والقصاص. إلى الساعة الثالثة فجراً ظل منهم من يبكي ومنهم من يهدد ويتوعد، وسؤالنا؛ أهذا وضع تريدون أن يصل به الناس؟ لما لا تشعرون بما في داخلهم؟ الناس لم تنم ليلة حادث تفجير الديه من القهر والبكاء، ومن نام فقد نام ساعتين أو ثلاث ساعات فقط وعاد ليستيقظ على واقع كأنه كابوس، وهناك من شعر أن بينه وبين فقدان أعصابه شعرة وهو يرى أتباع هؤلاء أمامه يباركون لبعضهم بعضاً في مواقع العمل وسعداء، فما بالنفوس من تراكمات بدأ يزيد وبلغ السيل الزبى.. بلغ السيل الزبى!
المنحنى الذي ننزلق فيه ونتجه إليه بأقدامنا وكأننا راضون عنه قد يدفعنا للدخول في باب لا نخرج منه، وإن خرجنا منه فقد نخرج منه جثثاً لا أحياء، وقد ندخل ولا نخرج كما حدث في دول مجاورة بالمنطقة. لم نعد اليوم في وضع نخمن فيه ونحلل المؤشرات الواردة لنا؛ بل الوضع اليوم بات «يلقمنا» فواجعنا وكوارثنا بالأدلة والحقائق؛ ألم يرد في كلمة وزير الداخلية التي بثها تلفزيون البحرين «إن ما يحدث من عمليات إرهابية له ارتباطات خارجية حسب الإفادات والأدلة المادية المتوافرة لدينا، وإن التدريبات حسب الاعترافات المدونة تمت في معسكرات الحرس الثوري الإيراني، كما إن المتفجرات التي تم ضبطها مؤخراً كان مصدرها العراق»، ألم يكن هناك تصريح للواء طارق الحسن قبل فترة بسيطة بأن ما تم ضبطه مؤخراً من قنابل ومتفجرات بعضها مصنع في إيران وسوريا؟ بالأمس كانت هذه المؤشرات وتخمينات وتحليلات وباتت اليوم تصريحات يخرج بها كبار المسؤولين لدينا لتوضيحها كحقائق، باتوا اليوم يقدمونها كتفسيرات وتعليلات.
نقول لكل الجهات المسؤولة؛ إن كانت تصريحاتكم الإنشائية كمثل المكياج الذي يوضع في المناسبات المهمة ثم لا يلبث أن يزول من الوجه عندما يغسل بالماء بعد انتهاء الحدث؛ فالشعب اليوم لم يعد بحاجة لكل هذا المكياج الملون المؤقت من التصريحات، بل يريد عمليات تجميل جراحية تعدل وتقوم كل ما عاثه الدهر في وجه البحرين أمام العالم.
بالمناسبة يبدو أنه بعد فترة سيقرن اسم البحرين، بلد المليون نخلة كما تعرف سابقاً، باسم المليون مولوتوف أو المليون قنبلة، ونتمنى ألا تكون لا سمح الله مستقبلاً بلد المليون شهيد وفقيد. الإرهاب مثل النار التي لا ترحم وتأكل الأخضر واليابس ولا تتوقف أو تحدد لتقول سأحرق هنا ولن أحرق هناك، فمتى تعي الجهات المسؤولة لدينا أنه لا تهاون ولو بدقيقة مع الإرهاب، إن الأخضر الذي يذهب هو دماء المواطنين والشرفاء واليابس أرضنا.
هل الوضع الذي نحن فيه اليوم يعكس لنا أننا دولة بالمقلوب أو دولة المعكوس؟ كل شيء فيها بالمقلوب كما قالت الأخت «أم عيسى» في ساحة الشرفاء بالمحرق «أول مرة نشوف دولة الشرطي فيها يركض والمجرم وراه يلاحقه يبي يقتله»، وكما يقول الناس «أول مرة نشوف دولة الشعب فيها يطالبها بتطبيق القانون بدلاً من أن تطالب هي الناس بالالتزام فيه».
أحد رجال الشرطة قال محاولاً تهدئة ومواساة إحدى النساء اللواتي وقفن في جنازة شهيد الواجب عمار الضالعي يطالبن بالقصاص وتطبيق شرع الله وكانت غاضبة جداً «شنسوي ما عندنا سلاح؟» وعيناه تغرغران بالدموع، هناك من أخذ يشيع بين الناس شائعات مفادها أن الدولة لا تريد تطبيق شرع الله والقصاص لأنها مستفيدة من الوضع الإرهابي، هناك من بدأ يصدق ما تروجه عصابات الإرهاب عندنا أن حساب المعارضة لدينا على تويتر حكومي، بل هناك من أخذ يستغل استياء الناس وسخطهم على الوضع الأمني في حشوهم بأجندته السياسية واستغلال الموقف لمصالحه الخاصة، هناك من أخذ يعمم بين الناس أن الدولة أعلنت الحداد لأن الشهيد هذه المرة إماراتي، فدم الإماراتي أغلى من البحريني، وهناك من يستغل حاجة وفقر البحريني والباكستاني لإنزاله في الميدان ليكون كبش فداء للإرهابيين، ما يبث بين الناس وما يروج رغبة في التصيد في الماء العكر كلام خطير قد يؤسس لقناعة خاطئة عند هؤلاء البسطاء الذين يجدون بالمقابل جموداً وعدم تفسير أو توضيح من الجهات المسؤولة بالدولة عما وراء استراتيجية الصمت وعدم تفعيل القوانين وعدم اجتثاث منابع الإرهاب.
ما يحدث في مملكة البحرين من اضطراب وأحداث مبعثه مسلسل الظلم الجاري، من المتعارف عليه عند الناس أنه عندما تكثر المصائب والمشكلات في مكان فإن ذلك دليل على كثرة وقوع الظلم فيه «إن الله لا يبارك في مكان يظلم فيه الناس، فالظلم يجلب الكوارث ومتى ما نشأ في أمة وشاع فيها أهلكها ومتى ما حل في قرية دمرها»، فكيف نود الخروج من نفق الإرهاب المظلم ونحن لا نرى الدولة تطبق شرع الله مع القتلة، بل تقدم عليه مبادئ حقوق إنسان جاءت بها دول الغرب، والتي هي نفسها لا تطبقها عند خروج شرارة إرهاب حتى، كيف نسأل الله في الدعاء أن يحفظ لنا وطننا وقد تحول إلى ساحة لظلم الأرواح وقتلها وفي وضع بدأ يتطور ولا يطاق.
كل دول العالم عندما تقوم فيها أعمال تخريب تقوم القيامة فيها ولا تهدأ إلا بتطبيق أشد العقوبات إلا لدينا، تساهل ولين رغم أن من يسقط يمثل هيبة الدولة الأمنية وأحد سفراء الاستقرار فيها، ولا ندري هل تنتظر الدولة أن تجد في الفترة القادمة طلبات دفان متراكمة تنافس فيها الطلبات الإسكانية المتراكمة لديها، شهيد واحد يكفي يا دولة، منذ عام 2011 وشهداؤنا يتساقطون مع هؤلاء ولا نجد حرمة أرواحهم تكرم إلا بالتصريحات الإنشائية لا بأخذ حقهم والاقتصاص من قتلتهم.
إحساس عابر..
التوجيهات بشأن إنشاء صندوق ملكي لعائلات الشهداء وإطلاق اسم شهيد الواجب الإماراتي طارق الشحي على مسجد بمدينة زايد مبادرة إيجابية، فما نتمناه أن يتم استبدال بعض أسماء المناطق التي وقعت فيها عمليات التفجير الإرهابية بأسماء هؤلاء الشهداء أو إطلاق اسم كل واحد فيهم على اسم الشارع الذي استشهد فيه كشاهد حي على درس التضحية والوفاء منهم لأجل الوطن، وحتى يكون كتذكار تاريخي للأجيال القادمة، وهو أبسط البسيط في حق من قدموا أرواحهم ومستقبل عائلاتهم من بعدهم للدولة.