قالت: «إن كان الدعم سيرفع بغرض إعادة توجيهه ليستفيد المواطن منه أولاً وأخيراً بدلاً من الأجانب فليرفع، لكن بشرط زيادة الرواتب وتحسين الوضع المعيشي لنا كبحرينيين أسوة ببقية دول الخليج، المهم أن نستفيد نحن ويتغير الحال».
فردت عليها زميلتها: «وهل تضمنين أن المواطن ستصل له الفائدة هذه حقاً عند رفع الدعم، خصوصاً أن التجارب السابقة له مع القرارات الحكومية وفيما يخص الموازنات التي تخصص له قد أثبتت أنه لا ينال منها إلا العناوين الجميلة البراقة المليئة بأجمل الوعود والأحلام، خاصة عندما يصدم بوضع جملة من الشروط والبنود التي تساهم في تقليل شريحة الفئة المستفيدة؟ وهل تضمنين ألا يزداد ارتفاع الأسعار بطريقة جنونية بعدها، بحيث لا يمكن التحكم فيها والسيطرة عليها؟ بعض دول الخليج رفعت الدعم وقامت بزيادة رواتب المواطنين، فارتفعت الأسعار بشكل جنوني، ووجد التجار في ذلك فرصة سانحة لاستغلال الناس، وعندما نأتي إلى البحرين نجد أن الرقابة على السلع والبضائع لاتزال غير فعالة أمام التلاعب في الأسعار والتدرج في رفعها من تلك السنين مقابل عدم زيادة الرواتب وإحكام السيطرة على تصرفات التجار!».
ثم أكملت «النقطة الأهم؛ قد تزيد الحكومة رواتب المواطنين مع رفع الدعم ومحاولة إعادة توجيهه ليستفيد منه المواطن فقط بغرض أن تتناسب مع ارتفاع الأسعار، لكن هل ستصمد الرواتب بعد سنتين أو ثلاث من الآن مقابل ازدياد الأسعار؟ وبعد أن يجد التجار هذه الفرصة تفتح لهم الباب لرفع الأسعار تدريجياً كل سنة تمر عليهم أكثر وأكثر، حتى نجد الوضع بعد خمس سنوات بأن الرواتب المعدلة بالزيادة لا تتناسب مع حجم زيادة الأسعار والنقلة النوعية الجارية فيما يخص مستوى المعيشة بالبحرين بعدها؟».
هذا حديث منطقي دار بين زميلتين يجسد شيئاً مما يدور من أحاديث تشغل الرأي العام البحريني بعد خبر رفع سعر الديزل و«جس النبض» فيما يخص رفع الدعم عن بعض المواد الأساسية، فعندما نأتي إلى الواقع ونتابع الأزمة الإسكانية التي تضخمت خلال السنوات الماضية، والتي تعد أكبر ملف خدمي مؤرق يعاني منه المواطن، نجد أن أحد أهم أسبابه، إلى جانب طول فترة الانتظار، كثرة الاشتراطات والبنود التي أخرجت شريحة كبيرة من المواطنين «من المولد بلا حمص»، وحرمتهم من الانتفاع من الخدمات الإسكانية، خاصة المواطن الذي مجموع راتبه وراتب زوجته يتجاوز سقف المبلغ المشترط عليه من قبل وزارة الإسكان والبالغ 1200 دينار، رغم أن هذا المبلغ في زمننا هذا وبعد تغير الحياة وأسعارها وزيادة متطلباتها «ما عاد يوكل عيش ولا يوفي القدرة على شراء نصف منزل حتى»، كذلك علاوة الغلاء؛ والتي بعد سنة من إقرارها قامت وزارة التنمية الاجتماعية بزيادة بنود الاشتراطات فيها أمام خفض ميزانيتها لتخرج شريحة كبيرة من المستفيدين منها؛ بل وصل الأمر في سيناريو جلسات النقاش بمجلس النواب بشأنها بالتفكير بعدم صرفها أو إيقافها.
وأمام المطالبات المستمرة من قبل الرأي العام، والتي استمرت لأكثر من سنتين بشأن أهمية زيادة الرواتب لتتناسب مع الوضع الحالي الذي وصلت إليه ظروف الحياة وارتفاع تكاليفها وزيادة تعقدها، فإن الجملة التي كانت تلجم دائماً ألسنة الناس دائماً «قولوا الحمد لله.. وضعكم بالبحرين إن كنتوا بتقارنون بينه وبين دول الخليج أفضل من ناحية أسعار المواد الغذائية وتكاليف الحياة عندهم وعندنا»، حيث كان مسمار جحا الدائم هو الدعم الحكومي.
غير أن المشهد الحالي قد بدأ ينحرف إلى وضع آخر، خصوصاً أن توقيت طرح هذا القرار يتزامن مع إلحاح المواطنين المستمر بتعديل الرواتب وتحسين مستوى معيشتهم، وقبل أن تكمل سنة من سيناريو جلسات النواب التي انشغلت عقداً من الزمن في الدور التشريعي السابق بقضية زيادة الرواتب وتعديلها وتحسين مستوى المتقاعدين، والتي انتهت بعدم الخروج بأي بصيص نور يخدم المواطنين ويلبي حاجاتهم.
المواطن أمام جملة ما يسمع ويرى يبدو المشهد الذي يعايشه واقعاً أمامه هكذا؛ يحصل على صفعة عدم زيادة الرواتب وخذلان النواب له والتبرير بعدم وجود ميزانية ليسدل الستار على دور تشريعي سابق بلا إنجازات تخدمه بشكل مباشر ورئيس، ثم صفعة أخرى بتقرير الرقابة المالية وازدياد وزن سمنة الفساد المالي فيه والأرقام الفلكية التي يطالعها، وتزغلل عينيه بها مع الصفعة اليومية المكررة التي ينالها وهو يخرج إلى الشارع ليجد كرنفال الأعمال الإرهابية مستمر، والذي يستخدم كمعاول هدم لبنية الاقتصاد دون اتخاذ قرار حازم بإيقاف زمرة الإرهابيين وأمام محاولته لابتلاع كم الصفعات المتتالية؛ هذه تأتيه الصفعة الأقوى بالبدء التدريجي برفع سعر الديزل وإطلاق إشارات «تلف وتدور» بشأن «مسألة رفع الدعم الحكومي عن المواد الأساسية في البحرين» والله العالم ويستر عن الصفعة القادمة ماذا ستكون؟!
المأساة الأكبر أن المواطن بات يشعر أنه «الطوفة الهبيطة»، والواجهة التي تلتقط وتتجرع وتشرب ذنوب الآخرين وأخطائهم «وتطيح براسه دايماً بالأخير»، فما ذنبه إن كان تهريب الديزل يتم من سنين دون أن يدري ويتثقف عن هذه المأساة، والكارثة ألا يكتشف أن حد سيف رفع الدعم مسلط على رقبته هو لا على رقبة المسؤولين المعنيين بالديزل وإيقاف تهريبه أو لجم هذا العبث والفساد المستمر المتفشي، ودون أن يتقدم ممثلو الشعب من تلك السنين ومن باب «استخدام أدوات الرقابة والاستجواب» التي لديهم في إثارة المسألة قبل «أن يطيح الفاس بالراس وتتفاقم المشكلة وتستنزف جزءاً من ميزانية الدولة التي من المفترض أن يكون هذا الجزء فيها لخدمة المواطن وعليه لا ضده وحواليه»، وبحيث يكتشف متأخراً جداً أن السادة النواب ليست لديهم مهارة الحاسة السادسة في شم المصائب والبلاوي قبل وقوعها، ولا يمتلكون مهارات قراءة الساحة المحلية وقضاياها ودراستها بحيث يكونون كما «الدواء قبل الفلعة» في أي باب يعتبر استنزافاً للميزانية العامة للدولة التي يدعون أمام الشعب أن معظم تحركاتهم تأتي من باب الصالح العام في الحفاظ عليها.
هل هناك عاقل يتفهم ويدقق في سيناريو اتجاهات الرأي العام ويقدم استشارات لمن يهمه الأمر بأن الوقت الحالي غير مناسب أبداً أبداً أبداً «بالثلاث» لإشعال شرارة «ديزل» التكاليف والأعباء المعيشية والاقتصادية الإضافية على كاهل المواطن، ويحاول أن يوجه «عصا العقاب» إلى من يستحقها حقاً من مهربي الديزل والمسؤولين الذين من المفترض أن يتخذوا الإجراءات والقوانين الحازمة التي تلجم استغلال سعر الديزل المدعوم لصالح غير المواطنين؟
أخيراً ليست مشكلة المواطن أن يكون سعر الديزل هو الأرخص من بين دول مجلس التعاون مما فتح الباب لاستغلال هذه النقطة وتهريبه، بل المشكلة الحقيقية أن المسؤولين يعلمون بذلك ولم يحركوا ساكناً طيلة السنوات التي مضت بضمان أن هذا السعر لا يستغل من خلال ظاهرة التهريب واستنزافه دون أن يستفيد المواطن البحريني شيئاً من جملة ما يدور حوله.
- إحساس عابر (1)..
المتتبع لقضية رفع سعر الديزل واستبعاد رفع الدعم الحكومي عن المواد الأساسية يجد التناقض الواضح في التصريحات التي تخرج ما بين وزيرة الدولة لشؤون الإعلام سميرة بنت رجب وبين التوجه العام والتصريحات التي تحاول التمهيد لفكرة رفع الدعم الحكومي والموقف المتخذ من جانب آخر من قبل السادة النواب، وليسامحنا النواب إن قلنا لهم نتمنى ألا تكون مواقفكم المتخذة هذه الأيام بالانسحاب من الجلسات كمثل تلك التي حدثت في سيناريو زيادة الرواتب، والتي أسدل الستار عليها تحت عنوان «سمعنا جعجعة الكلام واستعراضات عضلات التصريحات ولم نر طحين الإنجاز والفائدة للمواطن».
- إحساس عابر (2)..
عندما تقوم ببناء منزل ما فإن الركيزة الأساسية التي تفكر فيها وضع النوافذ والأبواب والأقفال على أبواب مداخله ومخارجه، والتي تضمن عدم دخول اللصوص إليه واستغلال ممتلكاتك فيه، ولا ندري كيف هندس المسؤولون مسألة دعم سعر الديزل من تلك السنين دون إحكام الرقابة ووضع الأقفال التي تمنع لصوص تهريبه.