ما نشره موقع صحيفة «وورلد تريبيون» الأمريكية الخميس الماضي من تصريحات صادرة عن رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة الأسبق الجنرال المتقاعد هيو شيلتون بشأن عمل الاستخبارات الأمريكية على زعزعة أمن واستقرار الخليج العربي عبر بوابة «البحرين» للسيطرة في النهاية على النفط وشركاته العملاقة، مسألة تعيد للأذهان نظرية «صفقة» تسليم البحرين لقوى يمكن أن تتحكم بها القوى الغربية بناء على تفاهمات ومصالح، وجهة يمكن أن تكون نواة لدويلة -مثلما العراق- تمثل خنجراً في ظهر الخليج العربي وبداية شرارة لإشعاله.
هل ما قاله الجنرال شيلتون مسألة من بنات أفكاره؟! أم أنها حقائق كانت مخفية في أدراج مغلقة وملفات سرية قرر أن ينشرها اليوم ويصرح بها، مثلما هو الحال بالنسبة لوثائق «ويكيليكس» المعنية بالولايات المتحدة الأمريكية وأسرارها، والتي نشرت حينما تم تسريبها من قبل عسكري أمريكي مطلع عليها.
الولايات المتحدة ليست كتاباً مفتوحاً تُسهل قراءته، لربما تشرح أفلام «هولييود» أكثر عن السياسة الأمريكية، رغم أن كثيراً من الأفلام تنتج وتعرض لتضلل الناس عن حقيقة الدور «الخفي» الذي تلعبه المخابرات الأمريكيــــة، أو لتحـــور حقيقـــة المساعـــي السياسية الأمريكية بشأن السيطرة على مقدرات العالم.
من يقول إن أمريكا ليست محتاجة لدول الخليج العربي هو مخطئ تماماً، إذ الحقيقة تقول بأن أمريكا محتاجة لدول الخليج العربي بسبب امتلاكها للنفط والغاز، والتاريخ يثبت ذلك وبشكل مذل وقاس على الأمريكان، رحم الله الملك فيصل. لكن مالا تحتاجه أمريكا هي أنظمة يمكن أن تشكل مجتمعة نداً صريحاً لها من ناحية القوة الاقتصادية، وهذا حال دول الخليج العربي، وهي حقيقة لن تغيرها صرخات كارهين أو ترهات وفبركات مهوسين بحلم استبدال الخليج العربي بخليج تسيطر عليه إيران.
ما قاله الجنرال شيلتون، وما يحصل في البحرين بشأن تحركات السفير الأمريكي وامتعاض السواد الأعظم من الناس وتحديداً المخلصين لبلدهم والمتمسكين بنظامهم، كله يكشف النوايا الأمريكية الحقيقية تجاه المنطقة، واشنطن لا يهمها وضعية أي بلد، لا تهمها ديمقراطية وحقوق إنسان وسلام عالمي، هي دولة لم تمنح «الزنوج» حقهم إلا قبل أربعة عقود وتنظر اليوم بشأن حقوق الإنسان، هي الدولة الوحيدة التي استخدمت السلاح الذري لنسف دولة أخرى وتنظر اليوم في شأن السلام العالمي! واشنطن لا تفكر إلا في مصلحتها، ولو كان ذلك يقتضي التحالف مع الشيطان.
أوتظنون بأن ما حصل في العراق مسألة تضايق الأمريكان؟! تضايق عوائل الجنود الذين قتلوا في حرب هدفها اقتصادي بحت، لا لإزالة نظام ديكتاتوري أو بحث عن أسلحة دمار شامل غير موجودة إلا في «البروباغندا» الأمريكية. وضع العراق ككيان مشتت أسهل للأمريكان للتعامل معه عوضاً عن أن يكون دولة يمكن أن تشكل إزعاجاً للإرادة الأمريكية، كما هو حاصل في مصر على سبيل المثال أو السعودية كمثال خليجي، لم تنسحب القوات الأمريكية من العراق وتتركه كياناً مبعثراً إلا بعد أن أمنت عقود شركات النفط وفرضت سيطرتها على الذهب الأسود، هذا ما يهمهم.
الآن إن كنا نظن بأن الأمريكان لن يغــدروا بأي نظام خليجي اليوم أو غداً، فنحن واهمون، متى ما انتفت المصلحة، أو وجدت مصاعب أمام تحقيقها، كان الخيار الأسهل اللجوء إما لنظام «عميل» كما هو في العراق، أو خلق دولة طوائف أو تشكيل دولة متأزمة الوضع تستدعي التواجد والتدخل الأمريكي على الدوام.
من يقف فـي وجــه البيــت الأبيــض إمــا أن يرديه «حامو الحريات» برصاصة في الرأس، أو يدفعوا أحداً ليبعده عن الصورة، وأعيد وأكرر، رحم الله الملك فيصل.
عموماً، إن كانت من صفقة فهي لن تتم دون عملاء، وفي البحرين «ما شاء الله» ما أكثرهم، والكتاب يبين من عنوانه، هناك من تكشفهم أقوالهم وأفعالهم بصراحة، وهنــاك من تفضحهــم عمليـــة «التــــودد» للدولـــة، ومحاولـــة «الانتفـــاع» بطريقـــة «التلون» و«التقية السياسية» ثم التحــول لخنجر يضرب الدولة، ويمضي ليعمــل فــي إطار صفقة بيع الوطن، سواء للمخطط الأمريكي الذي يعمل بخفاء، أو المخطط الإيراني الذي يعمل على المكشوف.
بناء على ذلك، أستعيد للذاكرة مقالاً نشر قبل عامين في مدونة لأحد الكتاب، أشار فيها لأسماء شخصيات داخل البحرين، معارضين سابقين، تجار، مسؤولين، شوريين، رجال دين، يتضح بأنهم استفادوا من الدولــة بشكل غير معقول، عطايا وهبات على شكل أراض وأموال، والمقال وضع أرقاماً مهولة، لو تأكد أنها حقيقية فهي كارثة كبيرة تلام فيها الدولة في الأساس، إذ هي عملية صناعة نسخ عديدة لـ «فرانكشتاين» الذي ينهض في النهاية لينهش في لحم الدولة ويغتالها، وهذا حال عديد من هؤلاء الذين حينما حانت ساعة الصفر في 14 فبراير قبل عامين انقلبوا على الدولة (التي أعطتهم خيراً لا يستحقونه لأنه على حساب البلد وأهلها المخلصين) وطعنوها في ظهرها وكشفوا وجوههم وبان واضحاً بأنهم من ضمن «جوقة» تعمل بناء على «صفقة خفية» لبيع البحرين.
لن أورد أرقاماً بالتفصيل مثلما أشار لها الكاتب الذي يبدو أن لديه تسريبات متأكد منها، والتي في بعضها ذكر لمنح أراض لمعارضين بيعت بملايين، أو ملايين موجودة في حساب شخصيات تتظاهر أمام الناس أنها «فقيرة» مثلهم وتستغلهم بخطابات تحريض، لكن سألفت الانتباه لضرورة الكشف عن حقيقة ما حصل، وهل بالفعل كانت الدولة في مرحلة من المراحل تحاول استرضاء هؤلاء ظناً بأن ولاءهم سيكون لها؟! وللأسف بعضهم مازال يعمل بوجه سافر ضد البحرين في كل محفل وكل موقع.
عموماً، ما كشف عنه الجنرال شيلتون فضيحة أمريكية تستدعي التوضيح من قبل السفير «الوفاقي الهوى»، وما تكشفه تسريبات ما تحصل عليه الانقلابيون من الدولة -دون وجه حق- يثبت بأن توصيف «مدفوعي الأجر» و«العملاء» ينطبق على هؤلاء الذين قبلوا الأخذ من البلد ونيتهم بيعها لاحقاً!
معارض يبيع أرضاً -تحصل عليها وقبل استلامها- بمليونين ونصف، وفي النهاية يصف الآخرين بـ«عبدة الدينار»!