أحياناً لا تملك إلا أن تبتسم حينما تتابع أحوال البلد وكيف تسير فيها الأمور، ليس فرحاً؛ بل تضرب كفاً بكف وتقول شر البلية ما يضحك، ينطبق ذلك على قرارات زيادة الأسعار المفرحة، والتي تنم عن تفهم خارق لأحوال المواطنين وفي توقيت عبقري جداً!
نعم؛ كان المواطن ينتظر بلهفة الاحتفال بأعياده الوطنية حباً في هذه الأرض وأملاً في أن يطاله جانب من الخير الذي يراه يحدث «حوالينه» في مثل هذه المناسبات، ممنياً النفس بسماع أخبار زيادة في الرواتب أو إسقاط جانب من القروض السكنية ومساعدة المتعثرين المستحقين في سداد ديونهم المتراكمة، وما إلى ذلك مما يدخل السرور على قلوب الناس ويقدم قبلة حياة لرواتبهم المشرفة على تسليم روحها إلى باريها، لكن يبدو أن أصحاب القرار يتعوذون من ذلك ويقولون «حوالينه ولا علينه!».
الغريب أن تتزامن زيادة الأسعار أيضاً مع أخبار تفيد بأن أدوية إنعاش القلب والسكري بإسعافات السلمانية منتهية الصلاحية، وأن أكثر من 11 سيارة إسعاف معطوبة ولا تعمل من أصل 22 سيارة إسعاف تابعة لمجمع السلمانية، وكأن الوضع يأتيك في سياق عبثي لكوميديا سوداء تقول: «إلي بتصيده جلطة أو سكتة قلبية نتيجة الزيادات ستحرص سيارة الإسعاف على كتم أنفاسه.. هذي طبعاً إذا ياته!»، والله أحياناً «خاطري» أردد عبارة المعلق القطري الشهير يوسف سيف حينما أبهره إبداع اللاعب البرازيلي الفذ رونالدينهو فقال وهو يصفق بصوت مسموع «والله أعلق وأصفق أعلق وأصفق لهذا الساحر»، وأنا خاطري أقول «أتابع وأصفق أتابع وأصفق لإبداع المسؤولين لدينا في الحكومة ومستشاريهم الأفذاذ» فيبدو أن لدينا أكثر من رونالدينهو!!
من المعروف طبعاً أن زيادة أسعار الديزل ستتبعها زيادة في كل شيء، فكل السلع الغذائية سواء التي تنقل براً أو جواً أو بحراً سترتفع أسعارها، بسبب ودون سبب، فتجارنا أساتذة في ذلك «وإفتح يمه خباز وكأنه مب لك»، هذا طبعاً بجانب ارتفاع أسعار اللحوم الحمراء، وليس بغريب أن تتبعها اللحوم البيضاء والطحين، بما يعني ارتفاع سعر كل منتجات الدجاج والمخابز ومشتقاتها، ومرة ثانية «إلي يخصه وإلي مايخصه راح يرفع أسعاره» كل ذلك والراتب -المترنح أساساً- محلك سر!
لا أعرف لماذا أجد في نفسي ميلاً للضحك «مب لأني من أصحاب الجيوب الدفيانة والعياذ بالله»، بس أتخيل عادل إمام رافع حاجب واحد ويقول «دحنه هنشوف أيااااام».
أثبتت الأحداث أن وزارة المالية دائماً ما ترفض أي مطالب من النواب بزيادة الرواتب، وتأخذ شهوراً في طرح التبريرات؛ ولماذا لا يمكن زيادة المتقاعدين بنسبة كذا والعام بنسبة كذا والخاص لا يمكن بالمرة، ويتم الموضوع لأشهر بينها وبين النواب، لكن حينما يتعلق الأمر بجيوب الناس «الفقارة» لا تحتاج لكل ذلك الوقت، ولا تنتظر حتى لتبرير قراراتها للناس من خلال جيش خبرائها الإكتواريين!!
«على طاري النواب!! الجماعة وينهم؟! وشلون تطلع قرارات زيادة بدون ما يوافقون عليها وشنو بيكون رد فعلهم ألحين غير الصراخ في المجلس؟!».
بالأرقام؛ يمثل الدعم الحكومي للمواد الغذائية واللحوم والدواجن والدقيق 5% من قيمة الدعم العام، أي 50 مليون دينار لسنة 2012، ومخصص له 60 مليون لكل سنة تقريباً في موازنة 2013-2014، فأين سيذهب هذا المبلغ؟! وهل هذا كثير على المواطن؟ أتمنى فقط ألا يحول المبلغ لدعم «طيران الخليج»!!
وبالأرقام أيضاً؛ سيبلغ العجز المتوقع، موازنة الدولة للسنتين الماليتين 2013-2014، حوالي 1.415 مليار دينار، والدين العام على البحرين سيصل في نهاية 2013 إلى 5 مليارات دينار، وبنهاية 2014 إلى 6 مليارات دينار، كما إن الفوائد على هذا الدين ستصل إلى 180 مليون دينار سنوياً؛ فهل هذا نتيجة خطأ المواطن؛ فلعله يأكل لحم «وايد» ويشرب الكثير من الديزل؟
بالأرقام -والأرقام لا تكذب- تعد موازنة الدولة الأخيرة الأضخم في تاريخ البحرين، إذ قدرت إيرادات الدولة 5.57 مليار دينار، والمصروفات 6.99 مليار دينار، أضف لها دفعات من العشرة مليارات دولار الدعم الخليجي، في حين تصل كلفة زيادة رواتب القطاع العام بنسبة 15% لحوالي 127 مليون دينار للعام 2013، و131 مليون دينار للعام 2014، فهل هذا كثير على المواطن؟!
بالأرقام كذلك؛ عدد المتقاعدين 37 ألفاً بالقطاعين العام والخاص، منهم 44% رواتبهم قبل الزيادة الأخيرة الخجولة بين 200-299 ديناراً، «وبعد تزيدون على الناس الأسعار، «إنزين خلو رحمة الله تنزل».
- شريط إخباري..
نذكر في أغسطس 2012 تأكيد سمو رئيس الوزراء أن رفاهية المواطن هي الهدف الأسمى للحكومة، وأنها تعمل من أجل أمنه وتهيئة العيش الكريم له، وأن ثمن اللحم ورغيف الخبز في البحرين ثابت منذ ما يقارب 40 عاماً، وستبقى سياسة الدعم الحكومي للسلع الرئيسة لعدم تحميل المواطنين المستحقين أية أعباء إضافية!!
نذكر كذلك الانتقاد العنيف الذي أثير في المجلس النيابي لدى مناقشة الموازنة العامة للسنتين 2009-2010، حينما كان هناك حديث عن إيقاف الدعم!!
نحن لا ننسى وفقط نذكر الجميع بذلك.