إن كنتم تبحثون عن نموذج أوروبي وقريب جداً من بريطانيا في طريقة التعامل مع الإرهاب ووضع خريطة طريق للحوار، فإن ما حدث بين الجيش الجمهوري الإيرلندي «الشين فين» والحكومة البريطانية ينبغي أن يكون درساً لنا في البحرين، والدرس من دولة ديمقراطية أوروربية.
لم تحدث أي تسويات سياسية بين الجيش الجمهوري الإيرلندي والحكومة البريطانية إلا حين قبل «الشين فين» إلقاء السلاح وتسليم أسلحة الجيش الجمهوري المناوئ للدولة حتى يتم الدخول في محادثات سياسية (حوار) بين الطرفين، بمعني أن لا حوار ولا محادثات، والإرهاب المنظم وغير المنظم يضرب الدولة، هناك في إيرلندا.
على ذات المنوال فرضت الحكومة الإسبانية شرط إلقاء سلاح على منظمة «إيتا» الانفصالية حتى تبدأ المحادثات بين الطرفين، فلا حوار ولا تسوية سياسية والإرهاب في الشارع، وهناك من يحمل السلاح ضد الدولة.
المثلان أوروبيان، وليسا من الشرق، لا توجد تسويات ولا محادثات، ولا حوار وهناك من يحمل السلاح ضد الدولة، أو يستخدم عمليات الإرهاب النوعية ضد المجتمع، وإلا فإن ما من معنى للحور إن كان هناك طرف يحمل السلاح ولا يقبل أن يلقي سلاحه؟
من هذا المنطلق نقول بعد استعراض ما حدث في إيرلندا وفي إسبانيا، لنقول للدولة وللأطراف التي ترعى الإرهاب في البحرين، إن كان الإرهاب لم ولن يتوقف، فعلى ماذا يتم الحوار؟
هل باستطاعة الدولة أن تقول لنا ما هي رؤيتها لموضوع الإرهاب الذي يحرق البحرين منذ التسعينيات وحتى اليوم، وحتى في الحوار الأول لم يتوقف الإرهاب، وحتى في الحوار الثاني لم يتوقف الإرهاب بل حدثت عمليات نوعية وتطور العمل الإرهابي في النوع والكيف، فما فائدة الحوار والإرهاب يضرب الناس والدولة؟
كيف يجلس الطرفان على الطاولة وهناك طرف يستقوي بالإرهاب، ويجعل منه أداة ضغط على الدولة والمجتمع، ويجعل أهدافه التي يريدها تتحقق وهي تدمير الاقتصاد وصولاً إلى ما يسمى ضمن المشروع الأمريكي للتغيير (الدولة الفاشلة)..!
إذا كانت هناك ضغوط أمريكية أوروبية على الدولة، فيجب أن تطرح التجربة الإيرلندية التي جعلت الإرهاب يتوقف أولاً كشرط أساس ورئيس لبدء الحوار، بل أن بريطانيا ذهبت إلى أبعد من وقف الإرهاب، حين نزعت سلاح الجيش الجمهوري الإيرلندي بشكل كامل.
تجربتنا البسيطة كمواطنين وككتاب منذ بداية التسعينيات وحتى اليوم تقول، إن من أكبر الأخطاء أن أتحاور مع من يقوم بالعمليات الإرهابية، وما أن يحصل على ما يريده من تنازلات من الدولة، حتى يخبئ السلاح خلف ظهره، إلى بضع سنين بسيطة، حتى يعود ويخرج السلاح بذرائع كثيرة، ليقول ما قاله سابقاً، إما أن تعطوني ما أريد وإما أحرق البلد.
هذه السياسة منذ التسعينيات وحتى اليوم كلفتنا كمجتمع بحريني الكثير، وكان أكبر فاتورة نسددها هي فقدان الأمن والنظر للمستقبل بتشاؤم، ناهيك عن تدمير الاقتصاد، والاستيلاء على الدولة من الداخل، وصولاً إلى الانقلاب الكبير.
البعض أخذ يمارس الدجل المفضوح حين قال إنه سيكون حريصاً على مصلحة أهل السنة في البحرين، وهو الذي يتمنى زوالهم، ويريد دولة طائفية تقوم على ولاية الفقيه..!
من هذا الكذب والدجل والتقية لم نعد نتقبل، الأقنعة سقطت في 2011، ولن يخدعنا من يعيد لبس الأقنعة ثانية.
يجب تقبل مشاعرالناس اليوم حين يرون من خان الوطن، ومن طعن البحرين في الظهر يتم التفاهم معه على ما يريد، وصولاً لإعطائه ما يريد كمكافأة على خيانته وغدره وطعنه للبحرين في الظهر.
هذا لا يتقبله الناس مهما كانت الذرائع، حتى وإن كان من باب السياسة، ومن باب التأكيد على أن الدولة تفتح أبواب الحوار، والانقلابيون هم الذين يرفضون المبادرات، إن كان هذا ما يراد له أن يصل للغرب.
فإن هذا الأمر تحقق مرتين في الحوارين السابقين، وليس للدولة ذنب في أن البعض ينسحب من الحوار بذرائع واهية.
تجربتا إيرلندا وإسبانيا يجب أن تحضرا كشرط لأي حوار، لا يمكن أن أتحاور مع الإرهابي وسلاحه بيده، وإن فعلنا ذلك فهذا يظهر أن الدولة لم تتعلم شيئاً من تجربة التسعينيات ولا بداية الألفية ولا في 2011، إبقاء سلاح الإرهاب في يد طرف همّ مقوض لأي تسوية سياسية، فالسلاح يكون بيد الدولة فقط.
حين لا تضع الدولة شروطاً للحوار كبداية لتسوية سياسية يتمثل في انتهاء الإرهاب، وتسليم الإرهابيين لمحاكمتهم، وتسليم كل أنواع الأسلحة والمتفجرات، فإن هذه التسوية تشبه تسوية التسعينيات، وما بعدها، فقط إبرة تخدير، وما أن ينتهي المفعول، سيعود كل شيء بالشارع، وبمطالبات أكبر.
حين لا يقبل من يحمل السلاح ويرعى الإرهاب أن يتوقف الإرهاب أولاً، فإن على الدولة أن تقوم هي بنزع كل سلاح بقوة القانون، وأن تخضع كل من يخرج على القانون إلى سلطة القانون، وأن تقوم بقطع أي أذرع إرهابية يستخدمها أي فصيل ديني سياسي، هذا الذي تتردد فيه الدولة حتى اللحظة.
فلو أننا فعلنا ذلك منذ زمن بعيد لما وصلنا إلى الذي نحن فيه اليوم، يبدو أن الدولة قررت التعايش مع الإرهاب، ولا تقوم بطرح ملف وقف الإرهاب وإدانته وعدم استخدام العنف تحت أي مسوغ قبل البدء بأي حوار أو تسوية سياسية.
ويكون ذلك كشرط أساس وأرضية للحوار والتسوية، والتفريط بذلك ينذر بانقلاب أكبر قادم فكل شيء مهيأ، الاستيلاء على الدولة من الداخل فقد تم ذلك ومازال يستكمل.
الدولة التي تبحث عن حل دائم وراسخ، لا تبدأ بالحوار السياسي قبل أن تبدأ بحوار ينهي العنف والإرهاب أولاً، وأن يوضع شرط أن يتوقف الإرهاب والعنف، ويقدم كل من يدعمه ويحرض عليه للمحاكمة.
الدولة تريد الوصول إلى حل سياسي كلما دعت لحوار جديد، بينما نترك القنابل الموقوتة التي قد تنفجر بنا في أي وقت، حين تتجاهل ملف الإرهاب والأمن، وعندها لن ينفع الندم حين تنفجر قنابل الإرهاب والسفينة تميل..!!