لن أدعي تفاجئي من ردود فعل بعض الإخوان على مقالي السابق، فقد كنت أتوقع هذا قبل نشره، والقطة إذا تحرشت بها أو أسمعتها ما لا يعجبها ستخربش وجهك، فما بالكم بالإنسان، وبجماعة كاملة تنتظر أن يُكشف النقاب عن أسرارها التنظيمية، ذلك الوعد الذي ذيلت به مقالي الأخير. إذاً.. الأمر طبيعي جداً.
هل دخلت بمقالي السابق في «قائمة العار»؟!.. عفواً.. هذا اصطلاح لحزب آخر، ولا داعي للمقاربة.!! أعيدُ صياغة السؤال: هل أدخلني مقالي السابق في قائمة المغضوب عليهم من قبل الإخوان؟ أم أخرجني تأييدي لخلع مرسي من كرسي الرئاسة من الملّة والدين الإسلامي؟ أيُعد شيء مما ذكرت نوعاً من العداء على الدين؟!!
من المؤسف جداً أن يتطلع الإخوان المسلمين لمواقف وردود أفعال مواتية لرغباتهم وأهوائهم من قبل العالم الخارجي للتنظيم أو الجماعة، مرجع ذلك ما خضغوا له وما أخضغوا غيرهم إليه كذلك، من مهنجية إخوانية فاضحة تعمل على مسخ شخصية الفرد، والعمل على صهرها في بوتقة الجماعة؛ من أجل تكييف إمكاناته وقدراته لصالحها. يعمل الإخوان على إلغاء العقول ومصادرتها، متذرعين بالمفهوم المشوّه لمبدأ السمع والطاعة.
ومن خلال مسخ الشخصية، يعمل الإخوان على تعبئة أتباعهم وفق ما يحقق مصالحهم في كل موقف، بل وتوجيههم نحو سلوك معين موحد في كل قضية، ويندرج ذلك أيضاً تحت مبدأ السمع والطاعة. ولكنها التعبئة.. كأنني سمعت من قبل عن سياسة التعبئة تلك.. تُرى في أي حزب كان معمولاً بها؟! إنه النسيان.!! «الله يخزيك يا شيطان».!!
اللافت في الإخوان المسلمين، والذي يدعونا للتساؤل مراراً وتكراراً، إن كانوا جماعة إسلامية أم تنظيماً سياسياً وغيره، أنه من الصعب جداً الانضمام لهم واكتساب ثقتهم إلاَّ بتزكية من ثقات الأعضاء القدماء أو الفاعلين، وغالباً ما يضم التنظيم أفراداً من عوائل زعمائها وأسرهم، وتتفرع عنها للأصحاب المقربين المقربين ممن تشربوا الفكر الإخواني حتى النخاع، وهكذا تتسع الدائرة، فالصاحب يسحب عائلته أولاً ومن ثم رفاق العائلة المقربين.
أما بقية المنتسبين لأنشطة الإخوان وبرامجهم ذات الغطاء الديني الترفيهي –لاسيما في مواسم الإجازات التعليمية- فإنهم بعيدون كل البعد عن العضوية الحقيقية -التي تخضع الفرد للولاء المطلق لمرشدهم، بعد تغييب العقول ورسوخ آيديولوجية الإخوان- إلاَّ من وجدوا فيه خنوعاً وانصياعاً جاداً إزاء الفكر الإخواني فإنه من المقربين. ومن هنا تتضح القاعدة الإخوانية القائمة على: «علانية العمل وسرية التنظيم».
ولكن.. ما قصة مبدأ السمع والطاعة؟
يقوم هذا المبدأ على طاعة الحاكم أو المرشد في الجماعة والانصياع له ما لم يأمر بما يخالف الشرع. ولعلي سمعت بمرشد في جماعة أخرى، ولكني نسيت.. «وما أنسانيه إلاَّ الشيطان أن أذكره». عموماً.. يعمل الإخوان وفق هذا المبدأ وكأنهم يمارسون دولة صغيرة جداً داخل الدولة؟ فيما أن تلك الصغيرة جداً آخذة في التوسع، وطموح المد التوسعي لديها غير محدود، وصولاً للخلافة المطلقة على العالم الإسلامي، وربما العالم بأسره.
بعض ردود الأفعال التي تلقيتها على مقالي السابق -وأشهد الله أنه ليس نصرةً لنفسي- جعلتني أشفق على بعض العقول المغيبة في تلك الجماعة، والتي أصبحت بوقاً لزعمائها بلا وعي أو إدراك، حتى لم تعد سوى صدى لأصوات قادتها تردد كالببغاوات ما يقوله مرشدهم. سحقاً لتغييب العقول الذي أصبح سمة العصر، بل سمة الأحزاب، ففي أي حزب كنتم ولّوا عقولكم شطره.
«من ليس معي فهو ضدي» تلك قاعدة أخرى.!!
لقد حوّل الإخوان قضية نزع مرسي من الرئاسة لعداء على الإخوان، ولم يكن الأمر كذلك، بل هذا ما صنعه الإخوان بأنفسهم، وهذا ما جناه مرسي على الإخوان. وهو أمر داخلي بين الإخوان ومرسي، وعليهم حلّه. أما إقحام كل من عبّر عن رأيه بالتأييد في خضم معركة كلامية جدلية، وتصويرها بأنها حرب على الإخوان وعلى الدين الإسلامي، فذلك لا يعقل البتة.
ختام خطابي هذه المرة لا أعني به إخوان مصر، ولا الإمارات، ولا الكويت، ولا غيرهم وإن كان لهم منه نصيب، ولكني أوجهه لإخوان البحرين، كيف يكون ضدك كل بحريني لم يتفق معك في موقفك تجاه مرسي وقد جمعك به الكثير؟
اختلفنا في تأييد ورفض خلع مرسي، نعم.. ولكننا لسنا بأضداد، يجمعنا الإنتماء المواطني لثرى تلك الأرض الطيبة «البحرين»، تجمعنا صولات وجولات مشرّفة من أجل هذا الوطن في أزمته -كل في مجاله وإمكاناته- وليس هذا على سبيل الإستعراض وإنما هو واجب اشتركنا وإياكم في تأديته. يجمعنا أننا جميعاً مسلمين، فضلاً عن الانتماء لمذهب واحد –إن كان هذا يكفيكم. فلمَ أكون ضدكم لمجرد تأييدي لخلع مرسي، ولكوني لست إخوانية، أوليس في هذا شيطان حاضر بيننا، ينوي الفتنة والفرقة ويدلس الحقائق ليحول الصدق كذباً والكذب صدقاً؟!!
شيطان في رمضان.!! رحماك يا الله.