عندما يتحول إصلاح سوق العمل إلى تنشيف وتدمير وتخريب سوق العمل، وتصبح القوانين سيفاً صارماً يقطع رقاب المواطنين من أصحاب المؤسسات، ويقطع أثر المستثمر الأجنبي الذي حزم حقائبه وغادر إلى دولة خليجية أخرى تقدم له تسهيلات لا تعجيزات، تكافئه لا تعاقبه، إذاً فقوانين هيئة سوق العمل هي الفأس التي هدم بها اقتصاد البحرين، وهي الدولة التي كانت يوماً ما رائدة الاقتصاد والملاذ الآمن لرجال الأعمال من بحرينيين وخليجيين وأجانب.
لك أن تتصور شعور صاحب عمل يتأخر عن تجديد إقامة العامل يوماً واحداً فيكون عقابه 1000 دينار ويجرجر إلى المحاكم، هذا هو قانون هيئة سوق العمل، وقد شلت وتقطعت حبال أصوات أصحاب العمل وهي تنادي بأن هيئة سوق العمل قصمت ظهورهم، فهيئة سوق العمل لم يتوقف عقابها للمستثمرين والتجار بفرضها ضريبة عشرة دنانير، بل ضاعفت مبالغ المخالفات التي منها ليس فقط يتحطم الاستثمار في البحرين بل سيقطع أثره، وذلك عندما كانت الفائدة 1000 درجة تحت الصفر لصاحب العمل، في الوقت الذي تكافئ فيه هيئة سوق العمل عن طريق «تمكين» أفراداً صنعت منهم تجاراً في يوم وليلة، وذلك بأموال المخالفات ورسوم الضرائب التي يدفعها أصحاب المؤسسات الناجحة والذين يرجع لهم الفضل في النهوض باقتصاد البحرين، حتى صارت البحرين مضرب مثل للعالم في قوة اقتصادها.
هيئة سوق العمل قامت بتفريخ مؤسسات ومحلات «سمبوسة» وحلويات وعبايات، في الوقت الذي أغلقت محلات أصحاب المنجرات والمقاولات والشركات الناجحة التي يجرجر أصحابها اليوم بين دهاليز المحاكم، ولكم أن تسألوا أين أصحاب المؤسسات الذين كنا نشاهد إعلاناتهم في أعمال صيانة الطرق والمشاريع الإنشائية، وغيرها من مشاريع.
نعم اليوم حدثني صاحب منجرة يعتصر قلبه ألماً عندما تفاجأ بمفتشي هيئة سوق العمل وهم يخالفونه بمبلغ 1000 دينار، وذلك لأنه تأخر يوماً واحداً عن تجديد إقامة أحد عماله، صاحب المنجرة سيترك أعماله ليمثل أمام المحكمة ويقول لعل القاضي يرأف به، فتصوروا كم صاحب عمل واجه هذا الموقف؟ ووقتها كانت الآذان مصمومة، وأموال هيئة سوق العمل تتناثر على «تمكين» وموظفيها، حيث لم تعرف تمكين ماذا تفعل بهذه المئات من الملايين، وقد سبق وقلنا في مقال سابق عن كلفة 4 ساعات مؤتمر ليوم واحد دفعت فيه «تمكين» لصاحب الجامعة 90 ألف دينار، هذا ما علم وهناك غيره لم يعلم، إذاً هيئة سوق العمل تعني تنشيف سوق العمل ومحو أثره.
هيئة سوق العمل التي كان عليها معالجة أسباب كساد السوق ومنها القضاء على العمالة السائبة، والتي عجز مجلس النواب حتى اليوم من سن قانون فيه يخالف صاحب المؤسسة الذي استقدم العمال ثم تركهم في الشارع، في الوقت الذي يعاقب فيه صاحب العمل الذي يعمل فيه العامل الذي يطلق عليه «الفري فيزا».
اليوم أصبحت مصيبة هيئة سوق العمل مصيبتين؛ مصيبة فرض الضرائب التي خفضت 5 دنانير والتي كان يجب إلغاؤها، وخاصة في وقت كساد الاستثمار في البحرين والذي من أحد أسبابه هذه الضريبة، والمصيبة الثانية قيمة المخالفات التي تفرض على تأخير تجديد إقامة العامل، والتي هي من صلب عمل إدارة الهجرة والجوازات، وليس من حق هيئة سوق العمل أن تتدخل في مهامها، فتأخير التجديد ينتج لأسباب كثيرة فيها يعذر صاحب العمل، إن كانت مؤسسته نشطة، وأن مخالفة التأخير يجب ألا تتعدى الرسوم التي تفرضها مؤسسات الدولة الأخرى، مع الأخذ في الاعتبار أن صاحب المؤسسة هو عمود الاقتصاد في البلاد.
القضية تحتاج إلى تدخل عاجل من الدولة، التي اقترحت اليوم «مدينة السياحة الآسيوية» ومنحها للمنامة 2014، والتي يزمع أنها تهدف إلى إيجاد طرق جديدة لتوثيق أواصر التعاون ولتشجيع الاستثمار في قطاعات جديدة، وهذه نية طيبة وصادقة، ولكن ستصطدم بقوانين قراقوش، التي تحتاج إلى نظارة وطنية تكشف ماذا كان المقصود بالتضييق على المستثمرين وأصحاب الأعمال، وماذا كان الهدف من فتح خزانة مالية لا تنضب استغلت أسوأ استغلال ومازالت على نفس النهج «تمكين».
نرجو من مجلس الوزراء الموقر النظر في هذه المخالفة التي أرجعت البحرين إلى ما قبل اكتشاف البترول، وكذلك إعادة النظر في الضريبة على العامل والعمل على إلغائها، وذلك إذا كانت الدولة تريد أن تحقق الرؤية الاقتصادية 2030، وأن تكون مقراً لـ»مدينة السياحة الآسيوية»، وذلك لن يكون إلا بإحياء قوانين وزارة العمل في أيامها الذهبية، وسترون كيف سينتعش الاقتصاد وتزدهر البحرين ويعود المستثمر الأجنبي، ويطمئن المواطن على مؤسساته، ويعود من غادر منهم، عندما تؤكد لهم الدولة بأن هيئة سوق العمل لن تقدمهم كبش فداء لتحقيق أهداف لا تخدم إلا من يريد للبحرين الخراب.