يوم الخميس، وبعد صلاة العشاء أردت اختصار المسافة من منطقة السلمانية إلى ضاحية السيف، فبدلاً من «تطويل» الدرب بقيادة السيارة على «الهايوي» سلكت طريق شارع الخميس.
السير على الجانب الأيمن كان سلساً في حين تلاحظ في الجانب الأيسر تكدساً للسيارات خلف خط نيران بسبب إطارات مشتعلة ورجال الأمن يطفئون الحريق حتى يتسنى للناس المرور. هذا الخميس وبعد يوم من لقاءات مع الجمعيات والتصريح بوجود توجه لإطلاق جولة حوارية جديدة.
وصلت للمكان الذي قصدته ملتقياً أحد الإخوة الكرام، وكحال الكثيرين سألني عما يحدث على الساحة اليوم في «ظن خاطئ» بأن الصحافة وبالأخص كتاب الرأي يعرفون أكثر، في حين الواقع يقول بأننا
- ربما أغلبنا- كحالك يا مواطن.
سألني الأخ ملحاً: شتشوف، إحنا الظاهر ما نشوف اللي يشوفونه، هاذي شيء واضح.
أجبته: اسمع، بالبحريني «سأغير السالفة»، سأقص عليك قصة مملة ولك حرية الفهم.
أنا الآن في السابعة والثلاثين، قبل ثلاث وثلاثين سنة أي عندما كنت في الرابعة من عمري بدأت بتشجيع فريق ليفربول الإنجليزي وبسبب تأثيرات وجودي في عائلة رياضية، امتداداً من الوالد والأعمام والأخوال كانوا لاعبين ورياضيين في أندية.
منذ تلك السنة 1980 وأنا أتابع وأشجع هذا الفريق العريق الذي كان يمثل واجهة الكرة الإنجليزية بلا منازع ولديه رصيد إنجازات وبطولات وضعته في المقدمة لعقود ليس فقط إنجليزياً بل حتى على مستوى أوروبا والعالم. على امتداد هذه السنوات شاهدت هذا الفريق يفوز ببطولات عديدة من دوري وكؤوس محلية ودوري أبطال أوروبا والكؤوس الأوروبية المختلفة.
قاطعني صديقي وهو يقول: أكلمك سياسة ضيعتني تكلمني رياضة؟!
رمقته بنظرة وقلت: خلني أكمل.
قبل عشرين عاماً فاز ليفربول بآخر بطولة للدوري وهي البطولة رقم 18 في تاريخه مبتعداً بفارق كبير عن أقرب المطاردين، وبعد عشرين عاماً بالتحديد ومن دون الفوز بأي بطولة للدوري نجح الفريق العريق الآخر مانشستر يونايتد في معادلة رقم ليفربول في عدد مرات الفوز بالدوري مستغلاً حالة تراجع كبيرة لفريق «الميرسي سايد» بل نجح في الأعوام الثلاثة التي تلت ذلك في التقدم عليه بلقبين.
طوال هذه الأعوام ورغم سوء الأداء والنتائج والتذبذب في المستوى وعدم استقرار أوضاع النادي إلا أن تاريخ ليفربول العريق لا يمكن مسحه، فالتاريخ لا يمسح بجرة قلم أو صراخ، بل ورغم سوء الوضع نجح ليفربول في تحقيق إنجازات على رأسها بطولة الدوري الأوروبي «التشامبيونزليج» في عام 2005 وهو اللقب الخامس له في البطولة كثالث فريق أوروبي في عدد الفوز بهذه البطولة بعد ريال مدريد الإسباني وميلان الإيطالي، وكأكثر فريق إنجليزي فاز بهذه البطولة. أيضاً فاز بكأس إنجلترا وكأس الكارلنج والسوبر الأوروبي وخسر نهائي كأس العالم للأندية ونهائي آخر في «التشامبيونز».
قال: طيب والمراد، دوختني؟!
قلت: المراد أنه طوال هذه السنين لم يتخلَ مشجعو ليفربول ومحبوه عن فريقهم، مازالوا يتغنون بتاريخه ويهتفون له في مبارياته، يفرحون عند الفوز، وعند الخسارة «الأزمات»، ويشدون من أزره ويغنون أغنيتهم الشهيرة التي ابتكرها بحارة مرفأ ليفربول قبل عقود وعقود «عندما تهب رياح العاصفة.. لن تمشي وحيداً أبداً».
أخي العزيز هناك من يتعب من تشجيع فريق بات لا يحقق البطولات والإنجازات كما كان يحققها في السابق، هناك من قال «أفضل المشي وحيداً»، ومنهم من «غير جلده» و«تخلى عن انتمائه» وذهب ليشجع فريقاً آخر سعياً لتخفيف «وجع القلب» أو البحث عن «البطولات»، إلا الذين عاشوا هذا الحب وكبر الانتماء معهم فباتوا يشجعونه في الحلوة ويزيد ارتباطهم له في المرة، فليست الشهامة بترك ما تنتمي له إن مر بظروف قاسية.
سألني: أهذه الزبدة؟! بصراحة ما فهمت شيء، سألتك سياسة وتتكلم رياضة!
أجبت: الآن الزبدة، ضربت لك مثلاً على فريق كروي، فريق إنجليزي، إدارته ولاعبوه ومشجعوه الإنجليز لا يعرفون بل لا يهتمون بمن يشجعهم في دول أخرى، لكن رغم ذلك ارتباطي لثلاثة وثلاثين عاماً وغيري ارتباطهم أكبر لا يمكن بيعه هكذا بسهولة بذريعة سوء الحال.
بالتالي، وهنا مربط الفرس، الارتباط ببلد، الارتباط بتراب ولدنا عليه وولد عليه آباؤنا وأجدادنا ومن أجله يمكن أن نموت من الاستحالة أن يقال له «ستمشي وحيداً» لأن حاله -أي التراب- لا يسر ووضع البلد غير مستقر.
آخر الكلام يا صديقي بأنه ليحصل ما يحصل وليطبخ ما يطبخ، في النهاية هناك في هذا البلد من من الاستحالة أن يقول لبلده «امشِ وحيداً»، من الاستحالة، وإن عادوا عدنا لكن على من يمكنهم من العودة ألا يخسر من مازال حبه لهذا التراب يجعله ممسكاً به ولو كان بحرارة الجمر.