ورد في حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما، قول النبي صلى الله عليه وسلم: «من سره أن ينظر إلى يوم القيامة رأي عين، فليقرأ: إذا الشمس كورت، وإذا السماء انفطرت، وإذا السماء انشقت». وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه: «أما إنكم سترون ربكم، كما ترون القمر، لا تضامون في رؤيته..». ويقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه في تعريفه للإحسان: «أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك».
استوقفني باب «تخيل» للشيخ سلمان العودة من كتابه: «أنا وأخواتها»، ومما قاله في هذا الفصل: «إنه الأداة السرية التي نركبها قارباً لأهدافنا، ويمتص بها العقل ضغوط الحياة، وتجعلنا نتطلع إلى مستقبل أفضل، ونتحدى الصعاب، ونحل المشكلات. عليك أن تتخيل الصورة التي تريد أن تكون عليها، أو يكون عليها مجتمعك، ثم تبدأ المسير، فأهدافك صورة تخيلية لما ترجوه في مستقبلك. الأحلام تبدأ من الخيال، والخيال قد ينسجه عقل أو قلب. إذا بلغت سطوة الواقع عليك بحيث لا تتخيل تغييره، ولا تتصور حياتك منفصلة عنه فأنت بذلك تمنحه عمرا إضافيا، وتمد أمد المعاناة، أو خطوات التغيير هي التخيل إذا، فما وراء الأبواب المغلقة يسبقك إليه الخيال».
حين نتخيل تلك النعم الجميلة، وجنة عرضها السموات والأرض، ونتخيل ما أعده المولى الكريم لعباده المخلصين المؤمنين من نعم لا تعد ولا يحصيها العقل البشري، ونتخيل عبادتنا للمولى بأنها عبادة كأننا نراه فيها، ونتخيل صور هذا الحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: قال الله عز وجل: «أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، مصداق ذلك في كتاب الله: فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون»، عندما نتخيل كل ذلك، نرتقي بأنفسنا إلى مراتب إيمانية سامية، تنقلنا إلى عالم آخر نحصد فيه الخيرات، ونسارع فيه إلى بلوغ مقامات العابدين المخلصين الذين نذروا حياتهم لله تعالى، فكانت الجنة هي شغلهم الشاغل، يصبحون ويسمون على تخيل مرتبتهم فيها، فيتخيلون تلك المراتب الجميلة، وتلك الصور الرائعة التي يتمنون أن يكونوا أبطالها، بالفعل نبتعد في أحيان كثيرة عن تلك العوالم الجميلة، ونشبع أطياف نفوسنا بآلام الدنيا وبواقع أليم تفرضه علينا الأيام، في المقابل تفوتنا الفرص الكثيرة التي لو استطعنا أن نتخيلها لحظة واحدة لانمحت كل الصور القاتمة، وكل علامات الأسى والتذمر والقلق والخوف.
نبكي حسرة في بعض الأحيان عندما نتخيل تلك الصور القاتمة، وتلك اللحظات الموجعة التي مرت من حياتنا فلم نستغلها في الخير، يقابلها صور الذكريات الجميلة التي كانت لنا الدافع الكبير للتميز والإنجاز في حياة البشر، في كلا الحالتين تبقى مخيلتنا تسترجع كل الدروس والعظات لتكون عنصر البناء لواقع أجمل اليوم قبل الغد، وفي المستقبل لحياة ننشد فيها كل خير، ونحلم فيها بأن نكون عناصر بناء وميدان عطاء أينما حللنا، والدعاء إلى المولى القدير بتخيل نعيم الفردوس، ودعوته تعالى بأن يرزقنا نعيمها، ولذة النظر إلى وجهه الكريم، وما أجمله من تخيل بأن ترى أمامك تلك اللحظات الجميلة التي سخرت كل حياتك من أجل أن تكون من روادها ومن أصحاب النعيم المقيم.
إن المشكلة الأكبر التي يعاني منها البعض، استغراقه في أوهام تخيلية سلبية، تجعله حبيس أدراج نفسه، وحبيس الشؤم والحزن والكدر، مع إنه لو استطاع أن يوسع من خياله قليلا، ويفزع إلى خير بين يديه لا يهتم به، لكانت حياته أكثر انشراحاً وسعادة، نعم، فقط تخيل كل أحلامك تتحقق اليوم قبل الغد، تخيل بأنك تعيش في عالم جميل وحدائق ذات بهجة، تتنعم فيها وتتخيل ذلك النعيم الأبدي في جنة الله الغالية، هذا التخيل يشغلك عن سفاسف الأمور، ويعطيك شحنات دافعة لعمل الخير في كل اللحظات، فعندما تتخيل مرافقتك للحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، وسقياه لك بشربة لا تظمأ بعدها أبداً، وبشفاعته لك في يوم لا ينفع الندم، ينادي فيه الجميع «نفسي.. نفسي»، حينها من المحال أن تكون ذلك المرء السلبي الذي نسى الله تعالى فأنساه نفسه.
أنت على مقدرة لأن تشبع نفسك من هذا التخيل الجميل، بشرط أن لا تكون حياتك مجرد تخيلات فاضية غير مصحوبة بعمل وشغل متواصل من أجل الآخرة، فإن التخيلات والأحلام الجميلة يجب أن تكون في طاعة الله، ومصحوبة بأخذ الأسباب، ومن ثم التوكل على رب البريات، فسارعوا إلى عمل الخيرات، قبل أن يطل عليكم سراب الحسرات!!