ثمة خطأ شائع في الغرب هو أن الإخوان المسلمين كانوا يوماً حلفاء دول الخليج ثم فسدت العلاقة.
القارئ العربي يعرف عن الموضوع أكثر من أكاديمي «خواجا»، وأنا أكتب اليوم لأن المقال يترجم إلى الإنجليزية ويقرأ في الخارج.
كنت قرأت في «نيويورك تايمز» مقالاً لأخينا مروان بشارة عنوانه «لماذا يخشى العرب تهدئة أمريكية إيرانية»، ووجدت رأيه متزناً ويعكس خبرة الكاتب. في اليوم التالي وفي الصحيفة نفسها قرأت مقالاً عنوانه «لم يعودوا رفاقاً إسلاميين» كتبه البروفيسور والي نصر، وهو إيراني الأصل أمريكي

الجنسية يعمل الآن مدير مدرسة الدراسات الدولية المتقدمة في جامعة جونز هوبكنز.
لا أتهم والي نصر بشيء سوى الجهل بموضوع محدد، رغم مواصفاته الأكاديمية العالية، وأبدأ بأول جملة في أول فقرة في مقاله فهو يقول: «انقلاب تموز «يوليو» الماضي في مصر فتح شرخاً جديداً في الشرق الأوسط بين ممالك الخليج والإخوان المسلمين».
يا سلام؛ أولاً هو لم يكن انقلاباً، فعدد الذين تظاهروا ضد محمد مرسي كان أضعاف الذين تظاهروا ضد حسني مبارك قبله، والجيش تدخل لمنع حرب أهلية. أهم من ذلك أن الشرخ مع الإخوان قائم منذ قيامهم، وإن عوملوا بالحسنى مرة أو مرتين، فهم أثبتوا في كل مرة أنهم متآمرون لذلك منعوا من أي نشاط في

الخليج منذ عقود.
الفقرة الثانية من المقال تبدأ بالقول: «على مدى ستة عقود كانت المملكة العربية السعودية والإخوان المسلمون رفاق سلاح، فبينهما حلف إسلامي أسس في الخمسينات ضد القومية العربية التي أطلقها الزعيم المصري جمال عبدالناصر».
لو كان الكاتب من ليكود أمريكا لقلت إنه يكذب، إلا أنه ليس منهم فأقول إنه مخطئ. وهو يخطئ أكثر في الفقرة الثالثة عندما يزعم أن السعودية استضافت ورعت أجيالاً من الإخوان المسلمين، ويزداد الخطأ في الفقرة الرابعة التي تبدأ بالقول: «إن الحلف دعم الشرعية الإسلامية لآل سعود»، وهو كلام

يجافي التاريخ والدين والسياسة كلها، فالشرعية الإسلامية لآل سعود موجودة قبل وجود الإخوان بأكثر من قرن كامل.
كلام الكاتب كله خطأ والصحيح هو التالي:
- الملك عبدالعزيز نفسه رفض طلب حسن البنا فتح فرع للإخوان في السعودية وقال له: «كلنا إخوان مسلمون». هذا الكلام سمعته من أبناء مؤسس المملكة.
- عندما اضطهد الإخوان المسلمون في مصر ثم سورية استضافتهم المملكة العربية السعودية، والأمير نايف بن عبدالعزيز، وزير الداخلية في حينه، وولي العهد بعد ذلك حتى موته رحمه الله، قال لي في مكتبه ما خلاصته: استضفنا الإخوان وأجرينا عليهم مرتبات وأعطيناهم سكناً فأخذوا يتآمرون علينا مع

الشيوخ المحليين. وهو أسمعني بعضاً من التسجيلات لهم، وقد نشرت هذا الكلام في حينه، فقد سمعته من الأمير سنة ألفين، وسنة 2004، وقبل اختياره ولياً للعهد بشهر أو اثنين. وكتبت بعض ما سمعت منه على ورق صغير لونه أخضر فاتح أخذته من على مكتب الوزير وكتب عليه: «المملكة العربية

السعودية، وزارة الداخلية، مكتب الوزير».
أهمية ما سبق أنني نشرت كلام الأمير نايف في «الحياة» وهو معنا، ولو أنني أخطأت لكنت اضطررت إلى التصحيح. وما أعرف من أهل الحكم مباشرة في الإمارات والكويت والبحرين أنهم لا يثقون بالإخوان ويرون أنهم يمارسون نفوذاً سلبياً سيئاً على الجماعات الإسلامية المحلية.
وحقيقة أخرى؛ كل الجماعات الإرهابية طلع من تحت عباءة الإخوان، من الجماعات التي مارست إرهاب التسعينات في مصر إلى أيمن الظواهري والقاعدة اليوم، وبما أن والي نصر يشير إلى أنور السادات في مقاله فإنني أذكره بأن السادات أخرج الإخوان من سجون جمال عبدالناصر فتآمروا عليه، وعندما

اغتيلَ كانوا جميعاً قد عادوا إلى السجن.
هذه هي الحقيقة، ولولا أن مقال والي نصر نشرته «نيويورك تايمز» لما رددت عليه.

- عن «الحياة» اللندنية