جلست معي بعد غياب سنين طويلة تقاطعت فيها ظروفنا فأشغلتنا الدنيا عن بعضنا البعض كثيراً.. اعترفت لي باعتراف خطير ومثير جداً بأنها جربت شرب الخمر!! حاولت ألا أبين دهشتي كثيراً أمام فضفضتها العابرة لي وهي تقول: «كأس أو كأسين لن يقودك إلى الإدمان ونحن في زمن كل شيء فيه بات عادياً، هل تدرين أن كثيراً من الفتيات اللواتي كن في دفعتنا الدراسية يشربن؟ ليس بشكل الإدمان فهناك أنواع متعددة من الخمور بعضها خفيف جداً، ومنهن من جربت تناول كأس أو كأسين ومنهن من تتناوله بين فترة وأخرى!! شخصياً أقوم بشراء أخف الأنواع منه وأضعه في حقيبتي عندما أكون في سفر لكن هنا بالبحرين نحن في نعمة فمن السهولة الحصول عليه فهو يباع في كل مكان!!».
شعرت أمام كلماتها أني أسبح في فضاء الدهشة الممزوجة بالصدمة إلا أنني تذكرت حينها تعليق آخر لصديقة قد ذكرت لي وهي تعرفني بإحدى صديقاتها بأنها من النوع المعتاد على شرب الخمر!! كما تذكرت تعليقها الذي أوردته أمام دهشتي الشديدة «تره مو بس البحرينيات حتى الخليجيات يزرن البحرين حق الشرب، من كم سنة بدأت الأمور تتغير وبات الأمر عادياً جداً!!» كما أوردت «أعرف فتاة زوجها لا يرتاح إلا أن وجدها تشاركه الشرب وتشرب أمامه وتسكر!!»، كانت الفكرة التي في بالي لحظتها «بلدي التي كانت تصدر العلم والتجارة والفن لدول الخليج منذ القدم باتت اليوم تصدر الخمر والسلوكيات الخاطئة للأسف!!».
منذ بضعة سنين كان الأمر المعتاد أننا نسمع عن خليجيين يتوافدون إلى البحرين فقط من أجل الشرب وممارسة الفساد الأخلاقي إلا أن الطفرة الجديدة التي ظهرت منذ بضعة سنين هو توافد الخليجيات لأجل ذلك أيضاً بل وللأسف الشديد بدأت بناتنا يواكبن هذه الموجة متأثرين بها!! كانت ظاهرة شرب الخمر تقتصر على عدد قليل من البحرينيين الذين لا تتجاوز أعدادهم أصابع اليد في كل منطقة أو جهة عمل وكنا ندرك من هم حيث كانت رائحة سلوكياتهم الخاطئة فائحة ومفضوحة أمام الناس إلا أننا اليوم نجد أن الوضع قد تغير كثيراً وأن هذه الآفة قد أخذت تنتشر عند الجيل الحالي بشكل أضحت فيه أعداد الفتيات اللواتي يشربن تتقارب من أعداد الشباب وتلك كارثة ما بعدها كارثة!! فالمرأة ليست نصف المجتمع فحسب بل إنها المدرسة للأجيال والشجرة التي تنبت ثمار المستقبل للوطن، ومعروف أن أضرار الخمر تكون أكثر على النساء مقارنة بالرجال، فبحسب دراسة أجراها باحثون أمريكيون من جامعات ستانفورد وسان دييغو أكدوا أن أضرار الخمر تدوم لفترة أطول عند النساء وتأثيراتها السلبية أكبر عليهن!!
الكارثة الأخرى التي بدأنا نلحظها تطفو على السطح أن الناس قد بدأت تتقبل فكرة جلوس ابنتهم أو ابنهم في مطعم يبيع الخمور إن كان سيجلس دون أن يشرب حيث قالت إحداهن عند استنكاري جلوسها الدائم في مطعم مشهور يبيع الخمر بالبحرين: «أمي تدري وبعدين الحين معظم المطاعم الراقية بالبحرين تبيع خمور وصار الوضع عادياً!!»، للأسف أولياء الأمور هؤلاء لا يدركون أننا في زمن لم يعد فيه «الصاحب ساحب» فحسب بل حتى نمط الحياة والعادات والسلوكيات الجديدة التي يمارسها الآخرون أمامنا فمن يتعود على الجلوس في مطعم يبيع الخمر سيستهين لاحقاً بتجربته ولو لمرة ثم سيستهين أكثر وهو يشاهد الآخرين يشربون وهكذا شيء يجر إلى أشياء لا تحمد عقباها فهل من المعقول أن يجلس أحدهم أمام النار فترة طويلة دون أن يتأثر على الأقل من حرارتها إن كان لن يصاب بشرارة منها!!
من يريد للبحرين الخير اليوم واتعظ من الأزمة الكبيرة التي مررنا بها وحفظنا الله منها والتي كانت ستطيح بالبحرين وشعبها، عليه أن يعود إلى الله ويراجع نفسه، ويتدبر في كتابه عز وجل الذي يحرم الخمر، فالإرهاب الأمني من الممكن السيطرة عليه لكن «الإرهاب الداخلي» الذي يأتي من تصرفات المواطن من الصعب ضبطه وتغييره إن استفحل وبات عادة وانتشر بين الأجيال جميعها دون استثناء، فكم من منزل دمر وعائلة فككت وعرض وشرف انتهك وسط غفلة السكرة، بسبب هذه الآفة التي وصفها الإسلام بأم الخبائث، بل كم روح أزهقت ضحية إنسان سكران «حادث كوبري السيف الأخير الذي توفيت فيه مواطنتان في عمر الزهور على يد سائق مخمور!!»، كما عليه أن يدرك أن هناك من يحاول استغلال فكر الشباب وجرهم إلى مخططاته غير العلنية تحت شعارات إسلامية رنانة كمثل محاربة النظام وتغييره بسبب عدم منع ولي الأمر للخمور والمفاسد وانتشارها بكثافة في أوساط الشباب، قال تعالى «إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون».
لابد أن نجعل من البحرين مملكة قوية محصنة بالإسلام وتطبيق تعاليمه من أية مخططات ومشروعات تغييرية وإصلاحية ترتدي عباءة الدين وتستغل عقول الشباب غير المدرك لأبعادها الأخرى وفتنها.. لنكسب رضا الله لا سخطه ونعمه لا عقابه لنكسب الشباب والناس والعالم بقطع دابر الشر عن البحرين ومنع بيع الخمور فيها التي استفحل وضعها لتصل إلى جميع مناطقنا، «من كان يتصور وجود مطاعم في المحرق -جزر أمواج- تبيع الخمر!»، لنبدأ بمنع الخمور في المطاعم كخطوة أولى توجد حاجز بينها وبين الشباب وهو أقل الإيمان ليبارك الله لنا ويحفظنا، يقول الله تعالى «يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون»، ويقول أيضاً «ومن يتق الله يجعل من أمره يسراً».
إحساس ديني:
«يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون».
إحساس أخير:
رسولنا الكريم حذر من الخمر ونهى عن شربه ولو بكميات قليلة واليوم تؤكد وزارة الصحة الفرنسية أن كأساً واحدة من الخمر يومياً تزيد فرص احتمال الإصابة بالسرطان بنسبة 168%، ويقول مدير معهد مكافحة السرطان دومينيك مارانشي إن شرب جرعات من الخمر مهما كانت قليلة يسبب أضراراً لا يمكن تصورها لصحة الإنسان!!