ارتفعت وتيرة الصراخ حين شعرت «الوفاق» بتهديد مباشر قد يودي باختناقها بعد أن صدر قرار وزارة «العدل» بوضع ضوابط تقنن استخدام أنبوب الأوكسجين الوحيد الذي يبقي على رئتها تتنفس، وهو قرار وضع ضوابط للاتصال بالسفراء الأجانب والمنظمات الأجنبية!.
للعلم هذا القرار لا يزيد عن تفصيل لما جاء في قانون الجمعيات، فالقرار ليس بمستحدث إنما أكد عليه وزير «العدل» ولفت الانتباه له، مما عد بالنسبة لجمعية كـ«الوفاق» تستمد ما بقي من شرعيتها من الدعم الأجنبي عامة والأمريكي خاصة بمثابة قرار بوقف آلة التنفس الصناعي الذي تستمد منه وجودها، هذا القرار هو إعلان حالة الموت السريري لـ«الوفاق».
صراخهم على هذا القرار تحديداً يبين أن الاتصال بالسفراء الأجانب كان الدعامة الحقيقية لوجودهم، فهم (لم يهستروا) على أكثر من 17 توصية نفذت قبل هذا القرار، و لكنهم فقدوا السيطرة والتحكم في كل خلايا أعصابهم لهذا القرار تحديداً.
دعك من دستورية أو عدم دستورية هذا القرار، ما يلفت الأنظار فعلاً أن الوفاق لم توقف مشاركتها في الحوار احتراماً لجمهورها الذي تناقص و يكاد أن يختفي، خاصة بعد أن ادعوا أنهم يمثلون شعب البحرين، لم تعطل مشاركتها في الحوار لأنها خجلت خذلانها لجمهورها، بل وصل بهم إنكار هذه المتغيرات إلى أن ينحدروا بأساليب التحشيد حتى أصبحوا يجرون سحب يا نصيب على الجثث، ويستميتون في اللطمات في خطب الجمعة وتكرار مصطلحات الذل والعزة والكرامة والهيهات وما استطاعوا من المشاهد الكربلائية وإسقاطها على الحاضر، علّ وعسى تعيد بالحضور الذي انسحب، لو كانت الوفاق تتمتع بقدر ضئيل من كرامة لكان ذلك كفيلاً بانسحاب الوفاق من أي حوار وطني، أو على الأقل إجراء استفتاء داخلي بين جمهورها على جدوى مشاركتها في الحوار أو على صحة تمثيلها لجمهورها! إنما هل تجرؤ الوفاق على هذه الخطوة؟ مستحيل ففي ذلك كشف حقيقي لواقعها.
كل هذه المتغيرات لم تعنِ للوفاق أي مساس بكرامتها أوتهديد لشرعيتها، إنما قرار لوجود (محرم) في اجتماعاتها مع البعثات الأجنبية هو الذي جعلها تنتفض وتمتنع عن حضور جلسة الحوار و ترك فطحلها في حالة من السعار خشينا فيه على قلبه أن يتوقف وهو يصرخ «القانون تحت حذائي القانون تحت حذائي» للتذكير فقط، صدر قانون الجمعيات السياسية قبل عشرة أعوام وهذا الضابط القانوني موجود فيه دون تفصيل، وأسست الجمعيات واشتغلت طوال هذه الفترة دون الالتزام به، ومع ذلك تركت القوى السياسية تعمل بحرية تامة على أساس أن حدود الاتصال بين البعثات الدبلوماسية والأحزاب السياسية لها أعرافها المتفق عليها وبديهيات العلاقات الدولية بين البعثات والهيئات الدبلوماسية والقوى السياسية المحلية في البلد المضيف معروفة ولا تحتاج لشرح، وهي علاقة تعرف الحد بين ما هو مشروع وما هو محرم في هذا النوع من الاتصالات في كل دول العالم بما فيها الدول الديمقراطية، ولم يتدخل المجتمع و يفرض وضع مزيد من الضوابط أوالقيود أو يضطر أن يفصل ما هو بديهي في عملية الاتصال طوال السنوات العشر السابقة، إلى أن أساءت بعض القوى السياسية استخدام هذا الحق واستغلت هذه الحرية للتآمر على بقية شركاء الوطن وتجاوزت المشروع لتخوض في مستنقع العلاقات الدولية المحرمة، وقاعدة التشريعات في عمومها هي استجابة لمتطلبات المجتمع وحاجته، ولهذا صدر هذا القرار استجابة لسوء استغلال وسوء توظيف.
فحين وصلت ممارسات هذه الجمعيات إلى الدرك الأسفل من الانحطاط السياسي واعتاشت هي من وراء بيع جسد وطنها قطعة قطعة في تلك الاجتماعات التي كشفت فحواها وثائق ويكليكس وبينت فيها حجم انتهاك السيادة بالدعم اللوجستي الذي قدمته لهم السفارة الأمريكية (كالانتخابات وعلاقتها بناخبيها، وعلاقاتها بالقوى السياسية الأخرى، وكشف ما يدور في الاجتماعات السرية مع الحكومة ووو)، فلم يبقَ غشاء بكري إلا رضيت الوفاق بفضه صاغرة، حتى أصبحت الخيانة الوطنية مشروعة بعد أن تم استبدال اسمها، والمجاهرة بها، والدفاع عنها وهو درك لم يسبقها أحد في الانحدار له طوال تاريخ الحراك السياسي في العالم، أصبح لزاماً أن يضع المجتمع حدوداً لهذه الانتهاكات وتستجيب التدابير والإجراءات القانونية لما يعترض أمن وسيادة الوطن.
فإن كانت هناك جماعة سياسية تعرف أن جهاز تنفسها الصناعي هو السفارة الأمريكية فحسب فذلك شأنها لينزع هذا الجهاز وتترك لتواجه جماهيرها دون دعامة أمريكية.
الخلاصة والمهم الآن أن الكرة في ملعب السلطة التنفيذية لتتحرك على مسارين.
الأول هو أن تضع هذه التدابير موضع التنفيذ في حال ارتكاب أي من المحظورات، والثاني وهو الأهم هو أن تعمم وزارة العدل هذا القرار على البعثات الدبلوماسية عن طريق وزارة الخارجية حتى يكونوا على بينة بقوانين الدولة و يحترموا أنفسهم ويحترموا الدولة التي تستضيفهم.
ملاحظة أخيرة:
(تشيب) شكلاً ومضموناً هو العامل المشترك بين جميع عملاء السفارة الأمريكية التي يفضحهم ويكليكس يوماً بعد يوم، ذوق لا يوجد إلا في الأماكن المشبوهة، تطابق في مستوى الطالب والمطلوب.