انقشعت الغيوم بعد هطول مدمر للمطر في الخليج العربي، وتكشفت الشمس من جديد بوجهها السافر معلنةً صحو يوم جديد ورؤية واضحة. هكذا هي معطيات المشهد السياسي اليوم؛ فظهور أزمة التقارب الأمريكي الإيراني «البعبع»، كشفت مزيداً من الحقائق الغائبة عن البعض، وأوجدت مسوغاً لفتح ملفات «مثلث الشيطان»؛ أمريكا وإسرائيل وإيران.
بعد هجمتها على لبنان، اكتشفت إسرائيل أن حروباً جديدة ستكون مكلفة للغاية، فضلاً عما تزج به اليهود من مخاطر، ولذلك كانت خطتها البديلة «الحرب بوسيط»، تماماً كما تمتد أياديها الخفية مقتلعةً قلب سوريا، شأنها شأن أمريكا بعد أزمتها المالية وحروب بوش الابن باهظة الثمن، فضلاً عن أن الشعب الأمريكي لم يعد يطيق مزيداً من الحروب والدمار.
أدركت أمريكا بعد هذا أن مشروع الشرق الأوسط الجديد والاستيلاء على ثرواته لا يأتي بحروب مباشرة، كما فعلت في حرب الخليج الثانية وفي أفغانستان والعراق، فضلاً عن بالونة الربيع العربي المنفجرة لتقيء منتجاً نتناً مكونه دماء عربية إسلامية، وخراباً وصراعات أهلية وفق قضايا وتقسيمات متباينة «دينية، طائفية، إثنية، عرقية، وغيرها..»، لذلك لم يعد ثمة مجال لنكران تواطؤ «مثلث الشيطان» في كل ما سبق، وكذلك حرب الخليج الأولى.
لا يخفى موقف إيران من الاحتلال الأمريكي للعراق، وما قدمته من تسهيلات لإتمام المهمة وإصدار علي السيستاني، أحد أهم مراجع الشيعة الإيرانيين، لفتوى تحريم الجهاد في العراق. تلك اللعبة باتت مكشوفة تماماً، صفقة قائمة على «ما فوق الأرض لنا وما تحت الأرض لكم»، في إشارة للمقدسات الشيعية والثروة النفطية. ويتكرر الأمر مجدداً في سوريا التي سلمها الأسد لإيران بدعم إسرائيلي وجعجعة أمريكية تكتيكية، وصولاً لتحقيق الهدف التوسعي الإيراني في مشروعها الجمهورية الإسلامية الجديدة.
ولكن.. ما شأن إسرائيل وأمريكا بنهضة الجمهورية الإسلامية ومدها التوسعي؟! وما سر تواطؤ معممي إيران مع السياسة الإيرانية وحلفائها السريين وإطلاق تلك الفتاوى الرخيصة؟! أسرار أخرى على الطريق؛ فانتظروها.
نبضة..
يخيل إلي أحياناً أن أمريكا «شرطي العالم» و«الشيطان الأكبر»، بين فكي إسرائيل وإيران، نظراً لذلك التعاون اللافت القائم بين الأخيرتين؛ فالصراعات بينهما لا تقوم على أسس أيديولوجية، بقدر ما تعود لصراع على المصالح الاستراتيجية، ربما هذا ما صنعه الأمريكي بنفسه، عندما قرر الارتباط بالاثنتين معاً، لتدور أحداث الحكاية في صراع بينهما للتنافس عليه تارة -وإن كانت الأولى هي المتربعة على العرش- وللتعاون عليه تارة أخرى. وهو ما يبرر كيف أن العلاقات الإيرانية الإسرائيلية تمارس تحت نظر الأمريكان، وكيف أن تلك العلاقة مذهلة بما يكفي لتكون محركاً رئيساً لأغلب السياسات الخارجية الأمريكية، إن لم يكن جميعها.