زعزع التقارب الإيراني الأمريكي البنى المعرفية لصانع القرار الخليجي، فانفجر مخزون الانفعالات الخليجية في الدول الست، وإن كان بدرجات متفاوتة، إلا أنها تتفق في النقاط المرجعية التالية:
- التهديد الإيراني جزء من صراع حضاري كتب القسم الأول منه رعاة الإبل الحفاة من العرب، ثم تحول لهجوم إيراني معاكس منذ مطلع القرن الماضي مشكلاً كابوس رعب حقيقي.
- الانكفاء على تمحيص بديهيات الأشياء أظهر للخليجيين أن تصديق مزاعم طهران الالتزام بالاتفاقات النووية الأخيرة ضرب من الحمق، حيث ستزداد التهديدات بين الالتهام والتجسس والتدخل والتحريض مع أو بدون امتلاك طهران للقنبلة النووية.
- من فرط ما هو حاضر فينا عدم اليقين أو الاقتناع بموقف واشنطن -لسرية المحادثات- أصبح هناك شعور بأن إدارة أوباما ستبرم اتفاقاً بالغ السوء.
- سيشمل التقارب درجة من المصالحة مع إسرائيل، فتصبح المقاومة عند حزب الله غير مبررة على الجبهة الصهيونية وستنقل للجبهة السورية، فتصبح القوى الخليجية المشاركة فيها العدو المفترض لحزب الله.
لقد شرع مستشارو صناع القرار بالخليج -وأغلبهم غير خليجي- في تسويق أدوية إذابة الانتقادات بعد صدمة إعلان التقارب ثم الاتفاق النووي، وفي تبسيطية فضة قالوا إن واشنطن قررت أن تكون محايدة بين ضفتي الخليج بدل الانحياز للخليجيين، لكن الحقيقة تقول إنهم لم يتمتعوا بإدراك جاد لمحيطهم مع قصور في فهم البيئة الأمنية الخليجية، فغاب عنهم أن تحرك واشنطن سرعت به الأسباب التالية:
- تقليل الكلفة الإقليمية وتخفيض قواتها بعد تحرك مركز الثقل لمنطقة المحيط الهادي، فخطر حاملة الطائرات الصينية «لياونينغ» أشد من خطر صواريخ زلزال وقادر الإيرانية.
- كانت الأجواء تنبئ بخلافات خليجية أمريكية تبدأ بالنفط الصخري مروراً بالإرهاب والعراق وتنتهي في سوريا.
- أعطت الديمقراطية الصورية التي حملت روحاني للسلطة أوباما وكيري حيزاً للمناورة، حيث يطمح أوباما في حصد ما قام به غيره من رؤساء أمريكا السابقين، ويريد جون كيري أن يعيد العلاقات مع إيران كما فعل كيسنجر مع الصين 1972.
أما المؤشرات الإيرانية فأهمها:
- دفعت العقوبات الاقتصادية وازدياد الاستياء الشعبي نظام الملالي لمثل هذا التقارب.
- رغم أن مناكفة الشيطان الأكبر هي القراءات التي شكلت المعجم السياسي للمرشد الأعلى؛ إلا أنه وصل لقناعة أن أفضل السبل لحماية النظام وضمان استمراره هو إنهاء المواجهة مع الغرب.
- إنهاء المواجهة جسر لشراء مزيد من الوقت للحصول على السلاح النووي.
فأين كان القصور الخليجي حتى تشكل تقارب بحجم صدمة استراتيجية؟ وماذا كنا -لو علمنا مبكراً- فاعلين؟
- لقد قال الاستراتيجي الأول «صن زو» في القرن 6 ق.م إن صانع القرار السياسي يحتاج إلى «المعرفة المسبقة»، وفي تقديرنا أن المهمة الرئيسة للاستخبارات تكوين تلك «المعرفة» بصورة شاملة للمحيط الإقليمي، عبر جمع المعلومات والتحليل من منظور استراتيجي لتخدم بشكل أفضل احتياجات قيادة البلاد باستخدام أدوات العلاقات الدولية المعاصرة.
- لقد كشف فشل الخليجيين في استشراف ملامح التودد الأمريكي الإيراني مبكراً عمق المسافة بين صانع القرار الخليجي ومراكز الأبحاث الاستراتيجية الخليجية أو حتى الإقليمية، والتي تملك القدرة على قراءة تسجيلية دقيقة لما هو قائم، وأظهر ذلك قصوراً في إلمام المحيطين به في مجال الدراسات الاستشرافية.
وعليه وبسبب الانقلاب الذي سيحدثه التقارب في المشهد الاستراتيجي، وبعد تقدير أولي للأضرار؛ نرى أن مجتمع الاستخبارات الخليجي بحاجة إلى الإصلاح التنظيمي الجذري فوراً، فالاتفاقات الإيرانية مع الغرب كان بالإمكان التدخل والتعامل معها، ويشمل الإصلاح خط سير المعلومة ومنع وصولها لمسؤولين قد يجعلون التحليل الاستخباري مقيداً بخياراتهم وما يستهويهم بدل الأخذ بالإنذار بإدراك غريزي.
كما إن الوقت -في تقديرنا- مازال سانحاً للحصول على ضمانات كالتي حصل عليها الكيان الصهيوني، ولنطالب بتفكيك مفاعل بوشهر لفقدانه للكفاءة التكنولوجية والتشغيلية بالضغط على واشنطن التي نظرت لتقربها من طهران كاتفاق ثنائي، مع تجاهل حقيقة أنه شأن ذو نتائج إقليمية واسعة.