يبدو أن الإعلام الرسمي لم يتعلم من التجربة إلى الآن، فبعد الإخفاق الكبير أبان أزمة البحرين عام 2011، وما تلاها من تداعيات، ولولا ستر الله وتدراك ما كان يمكن أن يتدارك، لبقيت صورة البحرين كما أريد لها في الإعلام العالمي.
الموقف تكرر مرات ومرات وفي أكثر من حدث؛ لكنه هذه المرة كشف عن سوءة كبيرة، تمثلت في تجاهل شبه تام لكل ما يتم تداوله بين الناس، خصوصاً صباح أمس، حيث غرقت البحرين في أمطار الخير والبركة، وغرق معها الناس في مواقع التواصل الاجتماعي يتبادلون الأخبار والصور والفيديوهات، وحتى النكات والشائعات، في الوقت الذي كان فيه الإعلام الرسمي «يعيش حياته» كما يقولون.
تلفزيون البحرين، وكعادته، لم ير فيما يقع حدثاً يستحق الإشارة إليه، ومتع مشاهديه صباح أمس بأحد برامج الطبخ «القديمة»، حيث قدم لهم فرصة على طبق من ذهب ليتعلموا كيف يطبخون الكوسا، مرة مع صلصة الطماطم وأخرى مع اللبن.. وصحتين وعافية. مع فاصل من الأغاني التي ترفع المعنويات وترفع «الضغط» في ذات الوقت.
إذاعة البحرين، بكافة قنواتها، لم تشأ هي الأخرى أن «تخرب مزاج مستمعيها» الصباحي، فتنقلت بهم من فيروز إلى فايزة أحمد مروراً بحشد كبير من الأغاني الوطنية، مؤكدةً أن ما يتم تداوله من إغلاق الطرقات والمدارس وغرق البيوت وتعطل مصالح الناس، ما هي إلا إشاعات لا أساس لها من الصحة، وأن «الدنيا ربيع والجو بديع».
ما حدث في الأمس كشف عن كثير مما يحاول بعض المسؤولين غض الطرف عنه؛ فمن بنية أساسية تفتقر إلى أدنى المعايير العالمية وتجاهل متعمد من بعض الوزارات يظهر بوضوح سوء التخطيط والتنفيذ، إلى صمت مطبق من البعض الآخر، كل ذلك يلخص بعضاً مما عاشته البحرين بالأمس.
فلم نر مسؤولاً في وزارة التربية والتعليم يطل على الناس لينفي أو يؤكد ما تناقله الناس على مواقع التواصل الاجتماعي بشأن تعطيل الدراسة، سواء في المدارس أو الجامعات، ولم يشرفنا أحد مسؤولي الأشغال بطلته البهية ليحدد لنا أسباب «مأساة» الأمس، ولم «يتعطف» علينا أصغر موظف في البلديات ليشرح آليات التعامل مع ما يعيشه الناس، ولم يكلف أحد موظفي المرور «خاطره» ليشرح للغارقين في الشوارع مواقع الطرق البديلة السالكة. حتى «الأرصاد»، بطلة الموسم، كانت غائبة تماماً عن المشهد، والمضحك المبكي أن يتم تداول صورة لموقعها الإلكتروني يعتذر فيه عن عدم عمل الموقع.
ورق أبيض
قال الشاعر: «لو ناديت لأسمعت حياً.. لكن لا حياة لمن تنادي». لكننا سننادي مرة ثانية وثالثة وعاشرة، لعل إعلامنا الرسمي يفيق مما ابتلي به من بيروقراطية ورتابة، وربما إهمال وفساد، وتصله الحقيقة؛ بأن الإعلام هو سلاح العصر، وأن دولة دون إعلام قوي وجاد وحرفي لا قوة لها ولا صوت.