أعلنت روسيا 13 نوفمبر عن تقديم عرض شراء أسلحة روسية متطورة إلى مصر يتضمن أنظمة دفاعية ومروحيات، قد تصل قيمتها إلى ملياري دولار، في خطوة يبدو أنها باكورة التعاون المصري الروسي بعد عقود من الفتور في علاقات البلدين.
ويشمل العرض الذي ينتظر الموافقة المصرية عليه مروحيات عسكرية، ومقاتلات من طراز ميغ 29m/m2، وأنظمة دفاع جوي متطورة، وصواريخ كورنيت مضادة للدبابات.
التقرير الذي نشرته صحيفة ميدوفوستي يقول إنه منذ 2006 إلى عام 2011 بلغت قيمة الصفقات الروسية المصرية 1.8 مليار دولار، أي أن روسيا حققت في صفقة واحدة في نوفمبر أكثر مما حققته على مدى ست سنوات!!
الجدير بالذكر أن الولايات المتحدة الأمريكية حققت في السنوات الست السابقة ما قيمته 6.7 مليار دولار (موقع العربية).
أما الصفقة الأكبر فهي التي ستكون نتيجة زيارة ولي العهد السعودي لموسكو في الأيام القادمة وسيلتقي فيها الأمير سلمان مع فلادميير بوتين ووزير الدفاع الروسي سيرغو شويغو، والتي تدور حول شراء دبابات وصواريخ لتعزيز المنظومة الدفاعية بقيمة تصل إلى 10 مليارات دولار (وكالات أنباء وصحف).
كل موقع تخسره السياسة الخارجية الأمريكية تكسبه بالمقابل الروسية ويتبع ذلك تحرك المصالح الاقتصادية والعسكرية.
إنما اللافت للنظر هو أن هذا التحول استغرق شهوراً فقط لاختراق بناء استمر العمل به لفترة تصل إلى ما يقارب النصف قرن!!
الانجذاب الذي حصل بين مصر روسيا من جهة والسعودية روسيا من جهة أخرى جرى في عام 2013 فقط بعد قطيعة طويلة، المواقع التي خسرتها أمريكا وكانت لها الصدارة فيها كتوريد الأسلحة، على سبيل المثال خسرت خلال شهور فقط من عام 2013 مواقع، كسبتها روسيا، كيف حدث ذلك ماذا حدث في تلك الشهور المحدودة؟
في الوقت الذي اعتقدت الولايات المتحدة الأمريكية أن أوان قطف ثمار الربيع العربي الذي خططت له لسنوات قد حان، وأنها نجحت في تحقيق خارطة الشرق الأوسط الجديد التي رسمت بريشة أمريكية، وأن فوضاها الخلاقة التي نتجت عنها أنظمة عربية جديدة مسالمة وديعة من وجهة النظر الإ سرائيلية وتحكمها الجماعات الدينية المعتدلة، تلك الجماعات التي اتفقت معها مسبقاً على ثوابت السياسة الخارجية وأولها ضمان أمن إسرائيل.
جاءتها الخسارة من حيث لم تحتسب، انتفضت الشعوب العربية على الجماعات الدينية، وخلقت فوضاها وشرق أوسطها الخاصين بها، وجاء وقت الحساب وتحديد المواقف، هنا ظهرت أمريكا القوة العظمى كالعجوز الذي يعاني من خلل في السمع وضعف في الرؤية، وظلت مترددة أقرب إلى التمسك بمشروعها رغم ثبات الانتفاضة عليه وإسقاطه، لكنها لم تحسن قراءة المشهد فظلت تدور في مكانها في وقت كانت الدقيقة فيه لها ثمن، في هذه المرحلة قفزت روسيا بذكاء شديد (أحترم بوتين ولافروف في هذه الانتهازية تحديداً).
كانت فترة رغم قصرها إلا أنها تعني نكون أو لا نكون للشعوب العربية في منطقة الخليج وفي مصر بالدرجة الأولى.
أعلنت روسيا موقفها الداعم لأمن واستقرار دول الخليج وأعلنت دعمها لأمن واستقرار مصر وبينت عن نواياها في وقف أي قرار قد يصدر من مجلس الأمن يصادر حق الشعب الخليجي أو الشعب المصري في تقرير مصيره، وأرسلت رسالة قوية وواضحة لأمريكا -إن فكرت- في فرض الجماعات الدينية كما كانت تريد في مصر وفي البحرين، فإن الفيتو الذي استخدم لصالح سوريا سيستخدم لصالح مصر.
هذه الانتهازية السريعة هذا الذكاء في اختيار التوقيت كانت القاضية وانخرطت مسبحة المصالح بسرعة غير مسبوقة بعد ذلك، على الصعيد العسكري والاقتصادي مع روسيا، وتجري الآن عملية الإحلال في العديد من المواقع خاصة العسكرية، فكل موقع كسبته روسيا كان على حساب المواقع التي خسرتها أمريكا.
الذكاء الروسي -من وجهة النظر الروسية الصرفة- هو النجاح في هذا التقارب بالرغم من الإبقاء على مصالحها مع إيران التي تتعارض مع المصلحة الخليجية السعودية بالأخص، فموقف روسيا من المحور السوري الإيراني يهدد الأمن السعودي، لكن موقفها من مصر كان في صالح الأمن السعودي، وهكذا وازنت روسيا بين الموقفين ونجحت في امتصاص الغضب السعودي.
اللافت للنظر هنا بالرغم من عدم تشكل محور سعودي روسي في الملف السوري كما هو الحال في مصر وفي البحرين، بل مازالت روسيا هنا في المحور الإيراني الروسي، إنما ومع ذلك وبغباء منقطع النظير خسرت أمريكا هذا الموقع أيضاً بامتياز بامتناعها عن تسليح المعارضة وبحصرها المأساة السورية بالأسلحة الكيماوية.
هل انتهى شهر العسل الأمريكي العربي.. ليس بعد ولكن بالتأكيد إن الخيارات الأخرى أصبحت قائمة بعد أن كانت غائبة تماماً، والفضل يعود لذكاء روسي ولغباء أمريكي.