الحمد لله أولاً وأخيراً؛ فهو صاحب الفضل الكبير عليّ الذي لا أحصيه مهما حاولت، والشكر لصاحب القرار الشيخ خالد بن أحمد بن محمد آل خليفة وزير الخارجية على ضمي لوفد مملكة البحرين في هذه الدورة، والتي تعلمت فيها الكثير، وعملت في خلالها الكثير، خدمة لإنسان أقدره عظيم التقدير، أقدره منذ أن رأيته إثر توليه منصبه، وجرى التواصل بيننا، وإن كان قليلاً، وازداد إعجابي بكفاءته وخبرته وبتفانيه في عمله، حباً لوطنه ومليكه وقيادته وشعبه، فهو نعم الوزير، ونعم الرئيس، ونعم الأخ والصديق.
وأنا أقول دائماً ما أومن به ولا أبتغي غير الله رباً، ومحمد رسولاً، والقرآن مرشداً، وليس لي مطمح، فقد بلغت أعلى منصب مهني بوزارة خارجية مصر، وعملت لمدة 5 سنوات ونصف في نيويورك؛ منها 3 سنوات ونصف مندوباً في وفد مصر لدى الأمم المتحدة، وعملت سفيراً في عدة بلاد كان آخرها الصين، وبلغت أعلى درجة وظيفية وهي سفير من الفئة الممتازة، وبلغت أعلى مكانة علمية بحصولي على الدكتوراه وتأليف أكثر من 40 كتاباً، وحصلت على تقدير أدبي بوجود أسمي ضمن قائمة أبرز الشخصيات في العالم في الموسوعة العالمية «International Who's Who» التي تصدر فـــي بريطانيا، واُعترف بي خبيراً في الشؤون الصينية من أكاديمية العلوم الاجتماعية في شنغهاي وبكين وغيرها.
لا أقول ذلك تعالياً؛ لكن أقوله تواضعاً لله الذي علمني، واعترافاً بفضل أسرتي الكبيرة مصر، وأسرتي الصغيرة وفي مقدمتهم جدي ووالداي رحمهما الله وزوجتي حفظها الله، وبفضل أساتذتي من كبار قادة الدبلوماسية المصرية، ومن عملت معهم في مملكة البحرين، وتعلمت منهم الكثير وأكرر «وقل رب زدني علماً».
لقد كانت تجربة مشاركتي في وفد مملكة البحرين بقيادة معالي الشيخ خالد بن أحمد بن محمد آل خليفة وزير الخارجية تجربة مفيدة تعلمت فيها جوانب جديدة من العمل والإنجاز، واحترام الذات، التي هي أهم ما يملك الإنسان، فله الشكر على ذلك، كما لمست عن قرب حبه لوطنه وتفانيه من أجل مصالحه وطموحاته وآماله، فهو وطن يستحق كل ذلك، فالبحرين قيادة وشعباً بمختلف طوائفه بلد يعجب به المرء ويحبه ويعمل من أجله.
لقد جاء ما عرف بالربيع العربي الذي سرعان ما تحول إلى خريف وربما صيف قائظ، وأدى لصراعات ودمار كثير، لأن بعض الشعوب لا تقدر قيمة النعم التي تعيش فيها، ولا تفهم معاني العمل السياسي، ومن هنا فإنني أتمنى على شعوبنا العربية وحكوماتنا أن تولي تعليم الدراسات السياسية مكانة أكبر مما هي عليه الآن، فالسياسة في الغرب عكس ما لدينا؛ سواء بالنسبة للشعوب واحترامهــم وتقديرهــم لحكامهــم، أو بالنسبـــة للجميع في الإيمان بالوطن وحبه ومكانته وإعلائه على عما عداه، واحترام دستوره وسلطاته الشرعية، مهما كانت وجهة نظر البعض.
فالعمل السياسي يعيش ويعمل في أطر معروفة، ليس من بينها التظاهر المستمر والاعتصامات المستمرة والاعتداء على رجال الأمن وتحديهم أثناء قيامهم بمهامهم، وبالتأكيد ليس من بينها إلقاء المولوتوف على رجال الأمن أو على مبنى القمر الصناعي في المعادي بالقاهرة وتخريب المنشآت والأموال العامة والخاصة. وللأسف بعض الأجانب يلعبون بمشاعر شعوبنا وننساق وراءهم أحياناً بلا تفكير.
النبي محمد عليه الصلاة والسلام كان أكثر إيماناً بوطنه، مكة المكرمة، وأكثر تفانياً من أجل شعبه من المسلمين الأوائل، ولكن للأسف نحن ابتعدنا كثيراً عن قيم الإسلام ومبادئه السمحة، وعمل بعضنا ومازال يعمل على تشويه صورة ديننا الحنيف الذي أصبح يوصم بالإرهاب، ولعل الصورة على غلاف مجلة الايكونومست في عدد 28 سبتمبر -4 أكتوبر 2013 تكون جرساً يقدح عقولنا حول الجرائم التي ارتكبناها في حق هذا الدين العظيم، وأسأنا بها لأنفسنا ولشعوبنا ولأمتنا، ولعلي كنت ممن أدركوا ذلك منذ فترة بإصدار كتابي «الإسلام والمسلمون في القرن الحادي والعشرين التحديات والاستجابات» منذ عام 2007 الذي صدر بالقاهرة.
وقد شعرت بالفرح بفوز حركة الإخوان المسلمين في مصر بالانتخابات، وحزنت لأنها سارت على عكس قيم الإسلام، بل مثل باقي الحكام الطغاة، وأصبح الهدف السلطة مغلفة بخداع باسم الدين. إن الحضارة الإسلامية لم ينشرها ويرسي دعائمها رجال الدين، بل رجال السياسة. وأنا ضد الحكم العسكري بوجه عام، لكنه أخف وطأة من حكم رجال الدين الذين يعيشون في ما قبل العصور الوسطى، ولا يعبر فكرهم السياسي عن الإسلام الذي جاء به محمد بن عبدالله بصلة، ولست من عشاق السياسة ولا أفهم فيها، ولا أحبها، ولكنني أحببت العمل البحثي، والعمل الدبلوماسي والكتابة والتعبير عن الرأي الواضح والمباشر وتقديم النصيحة الصريحة لمن يطلب مني ذلك بلا تردد إذا لزم الأمر.
عودة للشيخ خالد بن أحمد بن محمد آل خليفة؛ فهو نموذج فريد من وزراء الخارجية في حضور الذهن، وعمق الرؤية، وتقدير من يعملون معه، ولقد لفت نظري في أحد الاجتماعات حرصه على العمل الجماعي المشترك، وحرصه على الاستماع لرأي صغار موظفيه قبل كبارهم، وحرصه على التواضع والحزم عند الضرورة، فهنيئاً لمملكة البحرين بهذا الوزير النبيل الشجاع، وهنيئاً له بالانتماء لهذا الشعب صاحب الحضارة العريقة، بل هنيئاً لكل من يعمل معه. وهذه كلمات صادرة من قلب يعشق قول الحقيقة لوجه الله ويحرص عليها، وقد أشدت بالرئيس المصري المخلوع عندما لمست إنجازاته وانتقدت أخطاءه، وفعلت نفس الشيء مع الرئيس المصري المعزول بالإشادة به على منصة مؤتمر دولي للمتخصصين في الشؤون الصينية في شنغهاي في نوفمبر 2012، وكنت أحد المتحدثين الأربعة الرئيسيين فيه، وعاتبت قادة الصين على عدم زيارتهم لمصر في أول جولة لرئيسها خلافاً للسوابق، وتقديراً للدور التاريخي لمصر التي فتحت الباب أمام الصين في أفريقيا والعالم العربي.
حقاً إن مصر اليوم ليست في أحسن حالاتها، ولكنها سوف تعود مجدداً بقوة قريباً بإذن الله، مصر العروبة والإسلام (وهذا اسم أحد مؤلفاتي أيضاً) باقية ومتجددة بفضل رعاية شعبها وحكمتهم، وبفضل جنودها، وهم خير أجناد الأرض، وبارك الله في قيادتها الجديدة، وحماها من الانزلاق في مطامع السلطة، كما حدث مع من سبقوها، ووفق لها الفريق أول عبدالفتاح السيسي ووقاه شر مستشاري السوء الذين يتفننون في صناعة الطغاة، وكما قال الإمام الشيخ محمد متولي الشعراوي، وكما ردد غيره من العلماء «البطانة الصالحة» وكما ورد في الأثر خير ما يرزق به الحاكم هو «البطانة الصالحة». ولا ننسى المقولة المهمة للإمام محمد متولي الشعراوي رحمه الله أمام الرئيس حسني مبارك في إحدى الحفلات الدينية وهي «لا خير فينا إن لم نقل الحقيقة ولا خير فيكم إن لم تسمعوها»، ويبدو أن الرئيس مبارك سمع الحقيقة ولم يعها ولم يعمل بها، فانتهى إلى السجن مع أسرته وأعوانه وبطانته. وللأسف فإن قلة في تاريخنا العربي والإسلامي، الذي عرف الطغيان والاستبداد بأكثر مما عرف الحرية والسماحة ومبادئ الإسلام الحنيف. أما خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود وإخوانه من قادة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين ودولة الكويت وغيرهم فهم نبلاء وأصلاء العرب، وحقاً تعرف الأصالة عند الشدائد، ولقد كانت مصر دائماً في مقدمة الصفوف لمساعدة إخوانها من الأشقاء العرب، وها هم أو معظمهم يردون الجميل بلا تردد، فالعرب هم الأصالة المتجددة والكرم المستمر، ورحم الله حاتم الطائي الذي يضرب به المثل في الكرم، وعلى مصر وقياداتها وشعبها أن يدركوا أن مصر معطاءة وغنية بالمال والخيرات والثروات والأفراد، ولكن ينقصها النظام الرشيد والقدوة الصالحة وإعلاء سيادة القانون وإتقان العمل مثلما أتقن أبناؤها بناء الأهرام، التي ظلت شاهدة على هذه الحضارة العظيمة. حمـــى الله مصر ومملكة البحرين وبلاد العرب جميعاً من كل سوء وألهم قادتها وشعوبها طريق الثواب بعيداً عن إغراءات السلطة وتحريض المحرضين ومطامع وأصحاب النوايا السيئة والمؤامرات المتجددة حقداً وحسداً، ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين، الذي يحبط مكرهم ويخيب ظنونهم. تلك بعض تأملات شخصية وذكريات عقب رحلة عمل إلى نيويورك التي تغيرت كثيراً في السنوات الأخيرة وتطورت، لكن بريقها العظيم تراجع وإن اتسعت اهتماماتها الدولية في شتى المجالات.