أدان مجلس التعاون الخليجي «تدخل حزب الله اللبناني في القصير»، مما دفعه إلى»اتخاذ إجراءات ضد أية مصالح للحزب في الخليج»، لكن المجلس ألغى مفعول كل ما سبق حين استدرك أمينه العام الفريق د.عبداللطيف الزياني قائلاً إن «إدراج حزب الله كمنظمة إرهابية يحتاج لمزيد من الدراسة». ولم نكن في يوم ما من المحرضين على ذلك «الفصيل العربي» الذي مرغ أنف الصهاينة في غبار صيف 2006، لكن تقديرنا لبراعتهم العسكرية الآفلة تلك تراجعت أمام ولاءاتهم البدائية والنسق الذهني المسيطر الذي تمثل في سيادة الفكر الطائفي والشعوبي وقادهم لقتل الأبرياء في «القصير» والتفاخر به حين قال أمين عام الحزب وهو يحلق فوق أوزار العالم إننا شركاء في القتال في سوريا. فما الذي دفع الخليجيين لهذا الموقف المبهم من حزب الله وعدم إدراجه ضمن المنظمات الإرهابية؟
- لا يمكن أن تخطئ عين مراقب التقية السياسية شديدة المراوغة في ألفاظها التي تدثر بها خطاب المجلس خلال ختام اجتماعات وزراء الخارجية التي انعقدت مساء 2 يونيو 2013 في مدينة جدة السعودية، فقد كانت كلماته تجاه حزب الله حذرة أكثر من اللازم، وعقلانية حد الكهولة. حيث يمكن تفسير ذلك بخطوة أراد منها صانع القرار الأمني الخليجي التدثر بقرار سياسي خطواته التنفيذية التدرج مع الحزب بكلمات «مزيد من الدراسة» لإعطاء الحزب فرصة لمراجعة حساباته الخليجية، وتذكيره بما حل بمناصريه المدنيين الذين أجلتهم الإمارات من أراضيها قبل سنوات.
أم أن تفسير ذلك هو مخاتلة صانع القرار الأمني لكوادر حزب الله العسكرية العاملة في الخليج وتحييدها أمنياً وهي تحت تأثير خدر كلمات «مزيد من الدراسة»، حيث إن ظروف إدراجهم كمنظمة إرهابية كانت كافية لدفع كل كوادر الحزب في الخليج للتحول إلى خلايا نائمة هي أشد خطراً مما هي عليه الآن.
وربما أدرك صانع القرار الخليجي أن حزب الله سيدمر نفسه بنفسه من الداخل بالقتال في سوريا، فأجل مجلس التعاون لصق الإرهاب بالحزب تحاشياً لشر المندسين من أتباعه، فنحن نعيش حالياً في نسخة مزورة من عالم إسلامي لا يعرف فيها القتيل من قتله لضخامة الهالات الدينية المغلفة للكثير من الأشرار.
لكن تداول تلك العملة المزورة محكوم بمدة زمنية، ولعل أول بوادر كشفها قتال «كتائب أبي الفضل العباس» في القصير التي لا مقامات دينية بها رغم ادعاء حزب الله أن واجبهم ينحصرُ بالدفاع عن المقدسات وأنهم غيرُ معنيين بالاقتتال الداخلي.
فهل افتقدت الخطوة الخليجية المتريثة للروية والدراية؟ وأن مشروع إدراج حزب الله اللبناني كمنظمة إرهابية كان سيعجل من تجفيف منابع دعمهم المادي والمعنوي وحتى التعبوي؛ أم أن مأساة صانع القرار الخليجي مازالت تكمن في عجزه الفادح عن بلورة سياسة أمنية خليجية مشتركة مسايرة للأحداث.
فقد صنفت حكومات ومنظمات دولية حزب الله كمنظمة إرهابية، وكان بإمكان مجلس التعاون إدراج الجناح العسكري للحزب على الأقل في قائمة الإرهاب حتى يكون للمجلس ذريعة للانقضاض على كوادره العسكرية في الوقت المناسب، بدل التقية التي نشك في قدرته على إجادة تنفيذها.