لأنني ببساطة كغالبية المواطنين لدي ما يكفي من مسببات أمراض العصر كالضغط والسكري والقلب والتوتر وآلام الظهر والرقبة وارتفاع الكولسترول -بعيد عنكم الشر- أصابتنا من أمور ليست غالباً بيدينا وإنما فرضها علينا إيقاع العصر الحديث ومشكلات العمل والأسرة والتزامات الحياة وصعوبات الواقع الاقتصادي والمعيشي، وخدمات الإسكان والصحة وزحمة الشوارع وانقطاعات الكهرباء صيفاً وغرق الشوارع بأقل نسبة تساقط أمطار شتاءً وما إلى ذلك.
كل تلك أمور خارجة عن تحكمي وقدرتي على تغييرها أو تجنبها، لكنني أستطيع وبكامل إرادتي ووعيي، وبكثير من شجاعة وضبط نفس وتجاهل لموجات الفضول داخلي، أن أقي نفسي عوارض قراءة تقرير ديوان الرقابة المالية والإدارية، والمتمثلة في صدمة ومن ثم موجات غضب وإحباط جراء ما سينشر فيه من تجاوزات وفساد وإهمال مالي وإداري وضياع للمال العام وتفويت للفرص وهدر للطاقات الوطنية، والأقسى من ذلك معرفتي أنه بعد كل ذلك لن يحاسب أحد رغم وجود إدانات أوضح من شمسنا في عز صيفنا!!
الأثقل على النفس تلك الحسرة التي تنتابك من بعض تنهيدات، وأن تقول «ألحين مب قادرين تزيدون رواتب الموظفين 15% لأنها تكلف الدولة 258 في سنتين؟! والوزارة الفلانية مع المؤسسة العلانية صارفة «هالكثر» على سفرات وحفلات، ومضيعة «هالكثر» لأنها ما نفذت شغلها صح أو في الوقت المناسب، وأخرى تدفع رواتب «هالكثر» سنوياً لمستشارين أجانب عفا عليهم الزمن، وغيرها الكثير والكثير من الذي يتكرر في عشرات الجهات، وطبعاً «هالكثر» نعني بها مبالغ بمئات الآلاف وأحياناً بملايين!! وللحين مب قادرين تفكونه من أزمة الإسكان إلي جثمت على نفوس الناس، وانقطاعات الكهرباء ومشكلات الصرف الصحي، وما فيه فلوس لعلاج الناس بالخارج رغم تراكم الطلبات المستحقة عند لجنة العلاج بالخارج في وزارة الصحة، وتبهدلونه على علاوة الغلاء إللي تنقطع عن المواطن لو زاد راتبه كم دينار!!».. الأمثلة كثيرة؛ لكنني سأكتفي بما ورد رأفة بصحة القراء الكرام.
ثم -أخاطب نفسي- كما نقول بعاميتنا المعبرة «آنه إش حادني بعوار الراس وقراءة التقرير، وأكثر شي بقدر أسويه جم تغريدة في تويتر حالي حال الناس، ويمكن كم مقال أطلع فيه حرتي كما سيفعل غالبية الكتاب، وكم نبرة انفعال أثناء نقاش حاد مع الزملاء في الشغل والربع في المقهى، وقريت شمكتوب عن هالوزارة وكم ضاعت فلوس في هالمؤسسة وشكثر راحت ملايين وآخرته ما بيتهمون ولا أحد نفس كل سنة، بس عاد الله يساعدنه ألحين على تعنتر النواب إحنه داخلين سنة انتخابات وآخرته على الفاضي».
أكاد أجزم أن هذا ما سيحدث دون أن يتغير شيء ودون أن يحرك أحد ساكناً، وأقصد ساكناً ذا مغزى ومردود، وليس تحريك ساكن ليس من ورائه طائل!!
فالكلام والتحليل والوعيد والقبضات المرفوعة والأصابع والأيادي الملوحة دونما تحرك فعلي وقانوني لن يجدي أي شيء!! وعلى الرغم من سهولة المطلوب لم يقم به أحد طيلة 9 سنوات، فأي مواطن يستطيع رفع دعوى ضد أي جهة ثبتت فيها أدلة الفساد بحسب تقرير الديوان، فما بالنا بنوابنا الكرام ولديهم من الأدوات والصلاحيات ما يردع أي مسؤول لو ثبتت إدانته -وطبعاً لو أرادوا ذلك- لأن الدلائل الواضحة والمستندات القانونية الثابتة، والتي أعدت وتم تحريها وصياغتها بمهنية عالية وحرفية مشهود لها هي جاهزة ومقدمة على طبق من ذهب، لكن الأهم لم يحدث أبداً، إذ إنه وبعد كل ذلك الجهد والعمل المتواصل على مدى عام كامل لا يحاسب أحد ولا يجازى أحد وكأن شيئاً لم يكن، والغريب أننا لسنا في التقرير الأول لنقول نحتاج لتراكم التجربة -وهو عذر بحد ذاته واهٍ في مثل هذه الحالة- لكننا بصدد التقرير العاشر، وما حدث مع التقارير التسعة السابقة يدلل وبلاشك على ما سيحدث مع هذا التقرير!!
شريط إخباري..
إليكم بعض مما جاء في تقرير العام الماضي «تقرير الرقابة يحذر من مخاطر اختلاس «أموال الأمانات» 126 ألف دينار لبيع أدوية من دون تحصيل الأموال، عقد تسويق دون مزايدة وقنوات «عربسات» تكلف 2.7 مليون دينار لم تستغل، ‏8 جهات خالفت القانون واشترت سنوات الخدمة بأكثر من 600 ألف دينار، التنمية الاقتصادية يعجز عن إعداد دليل تفصيلي لإجراءاته، تراكم المبالغ المستحقة لـ«بابكو» من العديد من الجهات والشركات ‏والتي تصل إلى 231 مليون دينار، صفقات تزيد على مليون دينار في «بابكو» دون علم «المناقصات»، تجاوزات في «الإضافي» و«الدراسية» و«الإسكانية» في «ألبا» وهي تعاني من متأخرات على العملاء بقيمة 120 مليون دينار!!».
هل علمتم لماذا لن أقرأ تقرير ديوان الرقابة المالية والإدارية هذا العام؟! أتمنى فقط أن أصمد أمام فضولي، وكل تقرير رقابة وأنتم بخير.