لم تكن جلسة استثنائية عقدها المجلس الوطني فحسب؛ بل تاريخية في مسيرة تعزيز البناء الديمقراطي للدولة واجتاث البناء الإرهابي الذي يقوم به البعض لأجل اختطاف الدولة وتاريخ شعبها.. البحرين تاريخياً وبالأمس القريب كانت دولة تصدر لدول الخليج والمنطقة التعليم والفن، واليوم أصبحت هناك هواجس كثيرة من وضعها الأمني واستقرارها لكون دول الخليج تدرك جيداً أن استقرارها مرهون باستقرار الأوضاع فيها، وأن الفوضى الأمنية قد تصدر إلى دولها أيضاً وتطالها، لذلك كانت الجلسة استثنائية لنصرة الحق وإزهاق الباطل ووضع النقاط على الحروف في دولة القانون والتشريعات، فقد آن الأوان لكسر تطلعات وأوهام من يود تصعيد لغة العنف والإرهاب وجعلها اللغة الرسمية المتداولة ولغة الشارع العام.
ما كان استثنائياً أيضاً في جلسة المجلس الوطني بعض المشاهد والمداخلات التي ستبقى محفوظة في ذاكرة الأجيال المعاصرة لهذا الحدث، والذي سيحفظ وجوه كل النواب والشوريين الذين وقفوا مع الوطن والإرادة الشعبية وتطلعاتها ومن خذلهم بعدم التصويت على حقوق المواطنين ومطالبهم، النائب عيسى الكوهجي قال إن التاريخ لن ينسى من طلب تقليص قانون العقوبات، ونحن بدورنا نقول والتاريخ كذلك لن ينسى من طالب بتشديد العقوبات ودعا إلى تطبيق قانون الإرهاب بصرامة ووقف مع الشعب في محنته وعبر عن مطالبه بكل وضوح وشفافية دون محاولة تطبيق مبدأ إمساك العصا من النصف، الذي حاول البعض تطبيقه وفشل وأحرج أمام الآخرين، فلا يمكن العودة إلى المربع الأول في قضية الأمن وتهديد السلم الأهلي، ولا يمكن للشعب البحريني أن يتصالح مع من سفك دماء المواطنين وقام بدهس رجال الأمن حتى القتل ظلماً وإرهاباً وجوراً، وحتى ديننا الحنيف أقر أن قاتل العمد يقتل، فمن يحاول أن يغرد خارج السرب فهو يحاول أيضاً معاكسة ما أمر به الدين الحنيف والخروج عن أحكامه وذنبه على جنبه!!
كنا نتمنى أن تكون من جملة مطالب النواب تداول ملف شهداء الوطن والاقتصاص ممن أزهق أرواح شهداء الواجب ورجال الأمن وتلاعب معهم كأنهم دمى يقوم بإحراقهم أو دهسهم أو ضربهم دون إنسانية، والتركيز على هذا الملف الذي كان سيردع بلا شك كثير من الإرهابيين، خصوصاً إذا ما تم تطبيق قانون الإعدام والسجن المؤبد على القتلة وقبلهم المحرضين والمشجعين على مشاهد سفك الدماء.
كانت التوصيات الصادرة من المجلس تلخص مطالب الشعب منذ بدء انطلاق الفوضى والمعاناة اليومية التي عاشوها لأكثر من عامين مع الإرهاب، حيث نشدد بأنه في حال تطبيق التوصيات، فليست الدولة وحدها التي ستعاد لها هيبتها؛ بل حتى الجواز البحريني الذي حاول البعض تدنسه ممن يحملونه ويحملون هوية الشعب البحريني في تذاكر سفرهم وتنقلاتهم، فيما هم يسعون ضد الوطن ويشوهون صورة المواطن البحريني المحب لوطنه وقيادته بالخارج، فسحب شرف الجنسية البحرينية عن مرتكبي الإرهاب والمحرضين عليه مطلب تطبيقه مهم للغاية.
كان هناك مقترح جميل للنائبة سمية الجودر، حيث أوصت بتغليظ عقوبات السجن، واقترحت تحديث مادة للأعمال الشاقة للمساجين لإنشاء مشاريع تنموية بدل قضائهم فترة السجن دون هدف تنموي حتى يتم تغيير سلوكياتهم، وإخراج طاقة العنف التي فيهم، وحتى يشاهدون بعد فترة انقضاء الحكم ما قاموا بإنجازه، أعتقد أن هذا المطلب، والذي جاءت توصية مقاربة منه أوصت بتدشين برامج لإعادة تأهيل الشباب الذين يتم استغلالهم في الجرائم المختلفة، مهم وسيثمر على المدى البعيد، حيث لا بد من جعل اليد التي هدمت أركان الاقتصاد والتنمية أن تكون هي نفسها اليد التي تبني وتعيد إصلاح ما اقترفته، وهناك مثل يقول «الهدم أسهل بكثير من البناء»، لذا فإن إشراك هؤلاء الذين تساهلوا مع الهدم وزعزعة الأمن في عملية البناء التنموي للدولة سيجعلهم يدركون وهم يفرغون طاقة العنف التي لديهم ويوجهونها في مسار خدمة الوطن مدى ثقل المسؤولية وصعوبة بناء ما تم هدمه وإصلاحه، وبالتالي فإنه سيجعلهم يراجعون أنفسهم فيما لو خرجوا من السجن ليكرروا ذات الأخطاء، وسيقلص من مشاهد تكرار مسلسل الإعفاء عن المساجين ومن ثم عودتهم لارتكاب أعمال العنف مجدداً كونهم لم يستشعروا ويلامسوا على أرض الواقع خطورة ما يقومون به وانعكاساته على أمن واقتصاد الوطن.
ملاحظة..
كنا نتمنى من النواب لو دخلوا متحدين بوضع وشاح علم البحرين وصور رموزنا الوطنية، خاصة سمو رئيس الوزراء، حتى يكحل عينه فيها بعض ممن تربكهم هذه الصور والإعلام، ولكانت خير رد على مداخلات البعض الكيدية، فهذه الجلسة كانت محل اهتمام الأوساط الإقليمية والعالمية، وكان هناك ضرورة لتمثيل المواطن البحريني خير تمثيل.
إحساس شكر وامتنان..
أجمل مشاهد جلسة الوطني عندما تكلمت النائبة سوسن تقوي باسم الشعب ورفضت إهانة رموزنا الوطنية، ومثلت موقف مشرف للمرأة البحرينية ونموذج نسائي وطني جريء يعبر عنا، ففي الشدائد تظهر المعادن الحقيقية وما تخبئه النفوس، وردها المفحم لم يهز ويربك أسامة التميمي -حيث غلبت بملاكمتها الكلامية تهديداته بالملاكمة البدنية- فحسب بل بعض الأعضاء الآخرين الذين أحرجونه بموقفهم المتخاذل.. لذا فألف شكر تقوي!!
إحساس أخير..
بكثير من المواقف المفصلية تجوز الاستثناءات وتباح، لسنا مع النزول بمستوى الكلام إلى لغة الشارع لكن «جب تقوي» والتي تعني اصمت؛ كانت في محلها، وهي جملة مخلدة لن ينسى مشهدها الشعب البحريني بعد أن ضاق ذرعا بمن ينعق بالهرطقات، نعم «جب» لكل من هو ضد الوطن!!