من منا لا يذكر تلك التخرصات التي روجها البعض في كافة أنحاء الأرض حول نهاية العالم مع حلول السنة الميلادية 2000؟ وتلك الأقاويل الخرافية المتفرقة حول الاحتمالات المعروفة بـ«مشكلة الألفية»، والتي تنبأت بتحطم الطائرات وانفجار المفاعلات النووية وتعطل الأجهزة، واحتمالات أخرى بانفجار عظيم سيشهده الكون.
وجاء العام 2000، مر بسلام، ولم يحدث شيء!! والسؤال.. ما الذي سيحدث في عام 2030 في البحرين؟
يمثل عام 2030 الحد الفاصل الذي تطمح فيه مملكة البحرين بتتويج رؤيتها الاقتصادية التنموية، تلك الرؤية التي حولها البعض إلى شعار يزين به أوراقه الرسمية ولم يفكر في كونها مشروعات حقيقية على أرض الواقع!!
مرجع ذلك ببساطة.. غياب التخطيط الاستراتيجي؛ فالبحرين ليست بحاجة للتبرج الفاضح، ولا لعمليات تجميل ونفخ لكل ما تقوم به من بنى تحتية وإجراءات أمنية على سبيل المثال، ولا لإزالة شحوم الفساد وتشوهات الطائفية بعمليات إعلامية جاذبة تقدم من خلالها عروساً فائقة الجمال كاملة الأنوثة، من أجل تحسين صورتها في الخارج وحسب، بل البحرين بحاجة للتطوير الفعلي القائم على تحسين وتميز الأداء والإنجاز، والاعتناء بجمالها من الداخل، عبر التغذية السليمة للمشروعات، والعناية الفائقة بصحة وسلامة سيرورة العمل والتنمية، بما يمنحها جمالاً داخلياً يطفو على الخارج دونما سيطرة أو قصد.
تحتاج البحرين في مرحلة حرجة كهذه -على كل المقاييس- للتخطيط الاستراتيجي بقوة، ويقترح من أجل ذلك تعيين لجنة عليا من نخبة النخبة، من رجالات الوطن الثقات من المفكرين وأصحاب الكفاءات والمؤهلات العالية جداً، تقوم على وضع خطط استراتيجية مفصلة، وخطط تنفيذية صحيحة، ملزمة لكل الوزارات والمؤسسات والهيئات الحكومية، وبما تستوجبه من تعديلات معينة في القوانين المطبقة على القطاع الخاص في بعض الجوانب الهامة.
إننا بحاجة لخطة تركز على جعل البحرين بمستوى مختلف، ويمكن في ذلك الاستفادة من تجربة حكومة دبي وخطة دبي الاستراتيجية، بحيث تضع البحرين خططها وفقاً لمعايير مختلفة على كافة الأصعدة وبما يكفل التكامل بينها، في مجال التنمية الاقتصادية والاجتماعية والأمنية والبنى التحتية وغيرها، فضلاً عن الاستراتيجية التنافسية العالمية، مع مراعاة بعض الاحتياجات الخاصة بمملكة البحرين بما يميز ظروفها الراهنة عن غيرها من بقية الدول الأنموذج.
إن التخطيط الاستراتيجي بمثابة العمود الفقري للدولة، والذي لولاه تصاب أنشطتها كافة بالشلل -كلياً أو جزئياً- على السواء، وغيابه في البحرين بشكل واضح وجلي، يفسر حجم التيه والتخبط الذي تمر به المملكة لسنوات طويلة، وخصوصاً في الفترة الأخيرة. وهو ما يمكننا تجنبه في المرحلة المقبلة عبر تصحيح المسار والعمل بموجب خطط واضحة ومدروسة بما يمكن تلك اللجنة من أن تكون جزءاً رئيساً من مركز صناعة القرار في البحرين.

وللحديث بقية..