تترقب عيون المسلمين جميعهم النصر الوشيك في سوريا، ولكن ماذا بعد الإطاحة بالنظام، وتحقيق النصر؟ هل يتم الاتفاق على قيادة موحدة؟ وتنتصر النفوس على هواها؟
غير خافٍ أن قضية سوريا ليست قضية وطن واحد، بل هي مصير أمة بأكملها، قد لا يحق لآمن في سربه، ونائم في فراشه أن ينظر أو يقترح، ولكن من واجبه أن ينصح ويذكر، فالذكرى نافعة للقلوب المؤمنة، ومع هذا فإيماننا أن المرابطين على ثغور الشام أدرى الناس بشعابها، وأعلم الناس بخفايا الأمور فيها، وآراؤهم عادة ما تكون أكثر صواباً من غيرهم، وهذا ما نبه إليه الإمام أحمد رحمه الله حين قال: «إذا اختلف الناس في شيء فاسألوا أهل الثغور فإن الحق معهم».
ولكن المسلم وهو يقرأ الأحداث ويربط الحاضر بالماضي لابد أن يبدي تخوفه من بعض المآلات، التي قد تحصل حين يسقط النظام برمته، حيث إن العدو في هذا الوقت واحد، ولكن بعد سقوطه فإن أخشى ما يخشاه المؤمنون الصادقون هو افتراق تلك الكتائب على السلطة، واختلافهم على رئيسهم، فيبدأ التنازع، ويحصل الفشل، وبعد هذا التنازع والفشل لا يستقر لهم أمر، ولا يستتب لهم أمن، وهذا هو أقصى ما يتمناه الأعداء، بل إنه أحب إليهم من قتال هذا الطاغية، وربما زرعوا بين المقاتلين من يبث في نفوسهم هذا الخلاف، ويذكي جذوته، حتى إذا سقط النظام يكون لهم المراد وينشب الخلاف بين الكتائب. ولنأخذ العبرة مما حدث في أفغانستان، وكيف كان تقدمهم وانتصارهم لما كان العدو الروسي نصب أعينهم، وهمهم الإطاحة به ودحره، فلما سقطت كابل حصل القتال بين الأحزاب التي صنعت بأمر أمريكا، ومن أجل هذا قد يكون الخوف الوارد مسوغاً.
أيها المرابطون في أرض الشام: لا تلوموا المسلمين إذا كان هذا خوفهم، فهم الذين أحبوكم، ووقفوا معكم، فكانت أموالهم تسابق دموعهم، وعاشوا معكم المأساة منذ بدايتها، فتألموا لألمكم، وحزنوا لحزنكم، وتفطرت أكبادهم لما يحل بكم، هم الذين يرون أطفالكم كأطفالهم، وعجائزكم كعجائزهم، وشيوخكم كشيوخهم، تفيض أعينهم بالدمع حزناً ألا يستطيعوا تقديم أكثر مما قدموا، وجدوا أن أصدق بذل، وأجود عطاء هي تلك الدعوات التي تزلزل عروش الجبابرة، فصدحت مآذنهم بالقنوت من أجلكم، وبحت حناجرهم بالدعاء لكم، وجفت محاجرهم من كثرة بكائهم لما يحل بكم، أليس هذا هو نداء الجسد الواحد؟! بلى والله، وليس بكثير عليكم. إذاً لا تلومهم حين يبدون هذا التخوف، فهم يفرحون بقرب النصر، ولكنه فرح مشوب بالوجل، فلا تخذلوا أهلكم، بنزاعات قد تحصل بينكم، وتخذلوا المسلمين بالقتال بين كتائبكم، وحاشاكم ذلك.
ومضة:
قال تعالى: «والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا».