السادة النواب..
تابعت باهتمام جهودكم الهائلة خلال الأسابيع الماضية لإصدار قانون المرور الجديد، وما دار من جدال حول المشروع على مختلف وسائل الإعلام التقليدية والحديثة، خصوصاً ذاك المتعلق بمنع نصف سكان البحرين من المقيمين من قيادة مركباتهم الخاصة نظراً لما يتسبب به «هؤلاء!!» من ازدحام مزعج وحوادث مروعة قد تؤدي إلى تناقص أعداد السكان، خاصة أنهم جهلاء لم يقودوا في حياتهم إلا حماراً مستأجراً؛ فإذا بهم اليوم يركبون السيارات، أفيعقل هذا؟! فكان لابد من تدخل حازم منكم باعتباركم المشرعين لتوقفوا هذه «المهزلة» وتعيدوا الأمر إلى نصابه فتحملونهم على السير إلى أعمالهم أو ركوب الدراجات ريثما تستحدثون قانوناً مناسباً لها.
كم تمنيت أيها السادة لو أكملتم مسيرتكم المضنية وقررتم إصلاحات أخرى تتناسب ورؤيتكم؛ فجعلتم للمخالفات رسوماً للمقيم تختلف عن تلك التي يدفعها المواطن، والتفتم إلى الرسوم التي تدفعها هذه «الفئة» لزيادتها ورفعها؛ كرفع رسوم البلدية البالغة 10% من قيمة عقود إيجار المساكن، وأن يتم رفع رسوم التأشيرات المقدرة بالملايين، وعليكم أيضاً زيادة رسوم التعطل والتأمينات وهيئة تنظيم سوق العمل، التي لا يستفيدون منها أصلاً، كما إنه سيكون رائعاً لو قدرتم تسعيرة أعلى لهم في البضائع الاستهلاكية وإيجارات المنازل وحتى تذاكر السينما وقوائم المطاعم، وحددتم لهم أياماً في الأسبوع يحظر عليهم فيها ارتياد المجمعات والأسواق حتى لا يتسببوا في الازدحام والإزعاج، وفرضتم رسوماً على التعليم الأساسي وخدمات الطوارئ الإسعافية، ولا مانع إن لفظ من لا يستطيع الدفع أنفاسه الأخيرة.
السادة النواب..
لاشك أنكم تبذلون كثيراً من الجهد والوقت في التفكير بما يشعر به المواطن بأي إنجاز بعد أن أخفقتم في إقرار الزيادة التي تمناها وحلم بها وزيادة وتنظيم معونة الغلاء وحلحلة الأمور المعيشية، وكان لابد من كبش فداء يشعر المواطن بشيء من التميز الزائف، ويجعلكم تشعرون أنكم خلقتم له خصماً «يبرد حرته فيه» ويجعله يشعر أن هناك شماعة و«طوفة هبيطة» تعلقون عليها كل الصعوبات التي يعييكم حلها دون تكلف عناء الدراسات والأبحاث والإحصائيات التي يعتمدها كل النواب في العالم قبل الخروج بقوانين ومشاريع ذات أثر في حياة الناس، وهكذا بكل سهولة تقررون أن المقيمين هم السبب في الازدحام، وفي حوادث المرور، وفي الغلاء وفي التلوث والفساد والتعطل.. ولا أسهل من شحن نفوس المواطنين بهذا الشكل العنصري المخالف للتوجيهات الملكية السامية؛ التي رأت فيهم شريكاً في مسيرة التنمية والبناء ودافعاً لعجلة التقدم ورافداً إنسانياً ميز البحرين التي عاشت منذ الأزل تحتضن الجميع وتجمعهم على حب هذا المكان، والذي كان الدافع لمئات الألوف من المقيمين أن يعيدوا الطائرات التي أتت لتقلهم إلى بلدانهم في أزمة 2011، وهم من وضعوا أيديهم في أيدي أبناء الوطن؛ فعملت المصانع والمدارس والمستشفيات حينما قررت فئة تعطيل مناحي الحياة، ودفعوا ثمن موقفهم وتعرض كثير منهم لاعتداءات وصلت إلى حدود إزهاق الأرواح، فكان التقدير الملكي السامي لهم بإشراكهم في حوار التوافق الوطني الأول 2011.
أيها السادة النواب..
أشك أنكم بإصداركم هذا القانون اطلعتم على إحصائيات تثبت وجهة نظركم، أو شجعتم بحوثاً جادة تهدف للتخفيف من أعداد المركبات عبر تجويد خدمات النقل العام وخفض أسعار سيارات الأجرة وزيادة أعدادها، وحل معضلة نقل طلاب الجامعات الذين تنطلق الحافلات لنقلهم إلى الجامعة مرتين، وهو أمرٌ مخالفٌ لجداول الطلاب ويدفع كل عائلة إلى استصدار رخصة سيارة للابن والابنة بمجرد الالتحاق بالجامعة، وزيادة وتجويد حافلات النقل العام لتقل كثيرين ممن يحتاجون هذه الخدمة بأعلى مستوى ممكن وعلى مدار الساعة ولكافة المناطق. حينها لن يضطر كثير من المكرهين إلى استصدار رخص سير لعمالهم وموظفيهم.. والكثير من البدائل التي تجعلكم لا تختلفون في شيء عن النواب اليمينيين في بعض الدول والذين نستنكر تصريحاتهم تجاه المسلمين والعرب والملونين.
أشك أنكم سمعتم عن أضرار مثل هذا القرار على الاقتصاد الوطني، إذ أكد الخبراء الاقتصاديون أنه كفيل بتعطيل 45% من مبيعات السيارات، وتعطيل نفس النسبة في سوق التأمينات وقروض البنوك على تمويل المركبات، وعن الجدوى الاقتصادية لوجود مئات الألوف من المقيمين الذين يستأجرون منازل يملكها بحرينيون ويشترون من متاجر تعود ملكيتها لبحرينيين، ويدفعون رسوماً عامة وخاصة لكثير من الخدمات التي تدخل خزينة الدولة، التي لو رأت فيهم عبئاً على الاقتصاد لسارعت للتخلص منهم بأيسر الطرق.
أشك أنكم اطلعتم على المعاهدات والمواثيق الدولية التي حازت فيها البحرين مراتب متقدمة فيما يتعلق بالتسامح والتعامل مع المقيمين، والتي شكلت توازناً دفع إلى خلق أجواء من الارتياح والترحيب في الأوساط الدولية، وانعكست إيجاباً على العلاقة اليومية بين المواطنين وإخوتهم المقيمين.
أيها السادة النواب..
كان يشغل بالي دوماً سؤالٌ ملحٌ عن الآلية التي تتخذ فيها القرارات وتصدر بها مشاريع القوانين.. أما الآن فقد عرفت.. تحية وشكراً..