كنا سنصدق ونختم على قدراتكم التحليلية «الفطحلية» في صحيفة الوسط لما يحدث في مصر، وقدراتكم الفذة على قراءة المشهد السياسي المصري بحيادية، وإمكاناتكم العالية لتحديد أسباب فشل حكم المرشد العام للإخوان المسلمين في مصر -أو في تركيا كما كنتم تشمتون قبل أسابيع وخيب الله ظنكم- لو أن واحداً في المائة من هذه القدرة التحليلية الفطحلية وجهت بوصلتها لتحديد أسباب فشل نظام لا يختلف في منهجيته السياسية عن نظام الإخوان المسلمين وهو نظام المرشد الأعلى الإيراني، أم ذاك مرشد وهذا ليس مرشداً؟ أم أن عمامة مرشدكم عليها ريشة تحصنه من النقد؟ على الأقل مرشد الإخوان لم يعلق المشانق في الساحات العامة ولم يحكم بالدم والحديد لثلاثين عاماً لم تروا فيها عيباً واحداً وهو الذي ما نجح في البقاء في السلطة إلا من خلال القوة والبطش وتعليق المشانق، اعدلوا في الخصومة وفي النقد، فالاثنان ينتميان إلى نفس المدرسة السياسية بذات التنظيم والهيكلية، ونموذجها الديمقراطي المسخ، لكن أعراض النفس الطائفي المقيت تغيب عنكم حتى بديهيات التقية والتمويه فتنكشفون يومياً دون أن تدروا أو تشعروا.. الحمد لله والشكر! وإلا فأين هذه القدرة التحليلية الفذة و«المفهومية» عن تحليل نظام وليكم الفقيه؟ دعونا نرى مراجلكم.
إما أن تمتلك جرأة النقد الذاتي لنفسك ولأهلك ولطائفتك ولجماعتك ولحزبك السياسي، وتتحلى بشجاعة تقبل مبدأ تقويم الذات ومناصحة النفس وعدم الاكتراث بخسارة المعجبين والمريدين مقابل أن تكسب نفسك وضميرك، وإما أن «تنقطنا بسكاتك» كما يقول الأعزاء في مصر تلك التي لم تعرفوها إلى الآن، كما لم تتعرفوا على القدس إلا من ثلاثين عاماً فحسب حين استخدمها مرشدكم ورقة من أوراق اللعب لمصالحه القومية، إنه الاصطفاف البغيض وتصنع الاهتمام والحرص المكشوف.
كما إن أريحية ذكر محاسن الخصم السياسي، ومقدرة الوقوف معه في مواقع تقتنع بصحتها، سمة الشجعان ورغم مراراتها إلا أن تجرعها يعطيك قدرة على بناء الذات ومصداقية تطمئن لها نفسك وتقويك لا تضعفك، إنما هي -مرة أخرى- سمة لا يملكها إلا من سمت نفسه فوق ترهات الخسة والنذالة التي تجعلك تتغاضى عمداً وقصداً عن حسنات خصمك التي يقر بها العالم أجمع وترفض عينك الصغيرة أن تراها. ما أحوجنا إلى عين ناقدة تبدأ بجماعتها تبدأ بأحزابها إن كنا ننشد ارتقاء في الأداء السياسي والارتقاء في الأداء الأخلاقي من باب أولى، ارتقاء لا يتدثر بحجة وحدة الصف لترقيع عيوبنا ولا يتأخر أو يتخلف عن إصلاح الذات قبل نصح الآخرين وقبل أن يتفلسف الآخرون بنصحنا، تلك السمة البغيضة التي نهانا الرسول الكريم عنها حين لم يستثنِ ابنته من إقامة الحد عليها، حين علمنا أن نبدأ بنقد ذاتنا كواحد من مقومات تقوية الصف لا إضعافه، لكننا نرى خصماً سياسياً خسيساً يرى القشة في عيون خصومه ولا يرى الجذع في عينه.
لا نبالي بشدة الخصومة إن كانت تتحلى بفروسية القتال، لكننا نرثي لحالنا حين تضطرنا ظروفنا أن نجادل من يفجر في الخصومة ولا يملك ذرة من شجاعة في مواجهة ذاته.