كلما مرت البحرين بجديد سياسي مؤلم طرقت آذاني كلمات الأغنية الشهيرة: «ولهان يا محرق»، فلطالما استشعرت حرقة «محدن عرفني فيج يا محرق.. شدعوة؟» والدعوة هنا إيرانية!! شاعرنا أقسم بالبحث عن عناصر الثقافة البحرينية الشعبية في المحرق قائلاً «والله لأدوره وأدور في الفرجان وأقول يا أهل الخير راعي النشل ما بان»، ولم يبن راعي النشل نظراً لتواريه في زحمة الشادور «العباءة الإيرانية»!!
«دائماً ما تربط إيران بين منطقة الخليج العربي والقومية الفارسية والتراث الأسطوري، وتعيش فكرة إعداد أمجاد الإمبراطورية الفارسية في منطقة الخليج العربي وتسعى لتحقيقها» جاء ذلك في كتاب التطلعات الإيرانية في الخليج العربي، لكاتبته إيمان المطيري. فكيف نفذت إيران أولى خطواتها لغزو الخليج العربي؟!
كلنا نعلم الأطماع الإيرانية في البحرين، «باعتبارها تابعة لها» كما يزعمون، وهي ضاربة بجذورها في أعماق التاريخ رجوعاً لانهيار النفوذ البرتغالي على أيدي الفرس وإخضاع البحرين للحكم الفارسي في عام 1602، حتى تولى آل خليفة مقاليد الحكم في البحرين. ولم تكف إيران منذ ذلك الحين عن تجديد إثارة موضوع سيادتها على البحرين على فترات متواصلة من تاريخها السياسي، ولكن دون جدوى. ويبدو أن إيران قد تنبهت في وقت لاحق لحيلة جديدة شبيهة بحصان طروادة في غزوها الاستراتيجي التكتيكي بعيد المدى للخليج العربي واستيلائها عليه، وكانت استراتيجيتها الجديدة تهجير مواطنيها!!
واجه الخليج العربي موجات تدفق كبيرة من الهجرة الإيرانية كان أشدها عقب اكتشاف النفط، ولاقت هذه الهجرات تأييد إيران، لاسيما فيما يتعلق بالهجرة إلى الإمارات والبحرين والكويت، ثم في وقت متأخر، قطر في بداية السبعينات من القرن الماضي، بغية تغيير الخريطة الديمغرافية للمنطقة، وقد فعلت إلى حد كبير، عبر دخول عدد ضخم من الإيرانيين بغرض البحث عن وسائل عيش أفضل وهرباً من اضطهاد «بهلوي» في الفترة الممتدة من 1925-1941، فضلاً عن الهجرات المنظمة، والتي شكلت الخطر الأكبر نظراً لاستهدافها إشاعة الفوضى، واعتمدت على تجار الدكاكين الصغيرة على وجه الخصوص «القراشية»، والذين وفدوا بطريقة غير مشروعة عبر التهريب على متن السفن.
ولا ينفي هذا، الهجرات المشروعة كاستقدام الإيرانيين من قبل تجار اللؤلؤ في موسم الغوص، وجلبهم للعمل في شركة نفط البحرين «بابكو» بصفة مؤقتة، غير أن كثيراً منهم أقاموا في البحرين، ولم يرحلوا عنها، حسبما كان مخططاً له منذ استقدامهم. وبين تلك المرحلتين -أي اللؤلؤ والنفط- كان الإيرانيون قد ثبتوا أقدامهم في البحرين وازداد عددهم، وقد ساعدت بريطانيا على ذلك إذ سهلت أمر الهجرة الإيرانية إلى البحرين عقب انضمام إيران لحلف بغداد عام 1955، وتحسن العلاقات البريطانية الإيرانية، وقد باركت بريطانيا في الخمسينات والستينات من القرن الماضي الهجرة الإيرانية إلى البحرين، لخلق توازن مع العرب، كوسيلة لمواجهة القومية العربية، ولذلك منح المقيم السياسي البريطاني 4441 إيرانياً في البحرين جوازات سفر، واعتبرهم من الرعايا البريطانيين عام 1955.
وفي مرحلة ما، تنبهت جامعة الدول العربية لخطورة تلك الهجرات الإيرانية إلى الخليج العربي، وحذرت منها، ما دعا الكويت لترحيل المهاجرين غير الشرعيين من الإيرانيين خارج أراضيها، عقب الوقوف على أسباب زيادة الهجرة الإيرانية للخليج العربي، فيما اكتفت البحرين بإجراء بعض التعديلات على قانون الجنسية، فصدر قرار بمنع منح الجنسية البحرينية إلا وفق اشتراطات محددة تشمل إجادة اللغة العربية والإقامة لمدة لا تقل عن عشر سنوات بصفة مستمرة!! وكان ذلك بتدخل بريطاني عاجل منعاً للتدخلات العربية.
لم يكن شعب البحرين غافلاً عن خطورة الهجرة الإيرانية إلى البحرين، رغم ضغط بريطانيا على بعض المسؤولين، بل كان الأول أكثر تجاوباً مع بعثة جامعة الدول العربية في دعوتها لاتخاذ موقف حازم للتصدي لتلك الهجرات، نظراً لما سيترتب عليها من أخطار مستقبلية. كما نشط شباب البحرين في الخارج بإصدار بيان ندد بالسياسة الإيرانية عام 1965، والذي طالب بتطهير جميع أجهزة الدولة من العناصر الإيرانية، ولكن من دون جدوى!!
من هنا، يمكننا طرح السؤال حول المصالح المشتركة البريطانية الإيرانية، والأطماع في الخليج العربي وخصوصاً البحرين، والمكاسب التي حققتها إيران حتى يومنا هذا، من تهجير مواطنيها إلى الأراضي الخليجية، وما قدم لها من تسهيلات سياسية، في إثارة الفوضى من الداخل من قبل عملائها، إيرانيي الأصل ومن والاهم؟؟.