الحوار في أدبياته هو أرقى صور التواصل الإنساني، بمعنى أنه أداة التواصل الأمثل لتقريب وجهات النظر والوصول لأرضية مشتركة، لكن للأسف ما يحصل لدينا اليوم في البحرين بشأن الحوار الذي تم استئنافه، أن الممارسات التي تتم فيه من طرف متعنت في رأيه ومطالبه حولت هذا الحوار بدلاً من طاولة تفاهم إلى ساحة حرب.
يقول «تيش نات هان» وهو معلم فيتنامي وشاعر وناشط في السلام الاجتماعي إن «الحوار الحقيقي، هو الذي يمتلك فيه كل طرف نية صادقة للتغيير».
«الدالاي لاما» الذي يعتبره التبتيون خليفة بوذا يقول: «الطريقة الحضارية والمثلى لحل أي اختلافات وتصادم في المصالح بين الأفراد وحتى الأمم، هو من خلال الحوار».
كل هذا الكلام جميل، ومثلما بينت هي أدبيات ونظريات سامية وراقية في مفهومها بشأن التعامل الإنساني، لكن المحك هنا هو تطبيقها بشكل صحيح على أرض الواقع.
الحوار الوطني الذي بدأ منذ شهور عديدة ماضية راوح مكانه ولم يتحرك، عقدت جلسات لم نخرج منها إلا بتصادمات وشتائم وتطاول على الأشخاص، وشاهدنا فيه كيف كان التعنت سيد الموقف، وأن هناك من جلس على الطاولة ليفرض ما يريد ولا يتقبل حتى الرأي المخالف له.
اليوم إن كان الجالسون على طاولة الحوار نيتهم الحقيقية تحقيق أجندة معينة تخدم فئة على أخرى وتخدم أهدافاً لأحزاب سياسية، فإن هذا الحوار لن يفضي لنتائج تخدم هذا الوطن والمواطنين.
بغض النظر عن الامتعاض والرفض من قبل كثير من المخلصين في البحرين للتحاور مع من اعتبرهم قادة انقلاب وسعاة لقلب النظام ومن شوهوا صورة البحرين في الخارج، إلا أن الدولة مازالت تمنح الفرصة تلو الأخرى بنية صادقة كون مصلحة البلد وجميع أبنائها بلا استثناء تهمها، لكن المشكلة في الطرف الذي يأتي ليغلب مصلحته فوق مصلحة الجميع، من يأتي ليقول بأنه يتحدث عن الجميع بينما ما يسعى له مصلحة خاصة ضيقة ومكسب سياسي لا غير.
لا تلوموا الناس إن استاؤوا مما يحصل في الحوار وإن تشاءموا بشأنه، حتى المعارضين الذين يريدون ولو فسحة من التعاطي الإيجابي مع من يصفونهم بأنهم «شركاء» في الوطن لكنهم صنعوا منهم «فرقاء» و«أضداد» لا يتقبلون ما يقولون، فما حصل في البحرين -ومازالت تداعياته مستمرة- مسألة ليست هينة وليس سهلاً نسيانها، خاصة وأن جمل الكراهية والتقسيم واللعب على الوتر الطائفي والاختلاف المذهبي مازالت تستخدم، خاصة وأن النعوت والأوصاف التسقيطية والإساءة للدولة ورموزها مازالت تستخدم، بالتالي كيف تريد التقارب مع من تشتمه وتلعنه وتهدده في أمنه ومستقبله، منطقي وطبيعي أن تكون هناك ردات فعل، وردات فعل غاضبة وقاسية تلغي أي فرصة أو مساحة لقبول مجرد فكرة الجلوس والحديث والتفاهم مع مجموعة أرادت إلغاء كيان هذه الدولة برمته.
صعب أن تجبر الناس على النسيان أو تدعوهم لذلك وأنت مازلت تستخدم اللغة التي تهددهم بها، يقول المثقف ورجل الدين «كارل بيوتشنر» إنه: «يمكن للناس أن تنسى ما قلت، لكنهم أبداً لن ينسوا كيف جعلتهم يشعرون».
بالتالي من يدعي أن مطلبه الحوار عليه أن يثبت أنه أهل لهذا الحوار وقادر على تقبل ما يتضمنه ومستعد للتعامل بأريحية مع الآراء حتى التي تختلف معه، المشكلة أن هذه المعادلة مفقودة تماماً لدى المعارضة التي لا ترى إلا نفسها في المشهد البحريني وتتعمد إلغاء الآخرين بل تخرجهم من المعادلة البحرينية. تتعاملون مع الناس بهذا الأسلوب فكيف تتوقعون إذاً ردة فعلهم، هل سيأخذونكم بالأحضان؟! لن يفعلها إلا من فيه «لوثة» دماغية أو من يريد أن يضرب في ظهره مرة أخرى.
عموماً الحوار واستئنافه ينظر له بأنه حجة للدولة اليوم لا عليها، فالبحرين لم تكن دولة بوليسية أو دولة تقمع الحريات والدليل ما يحصل فيها من حرية تعبير وصلت حتى لتجاوز عديد من الخطوط الحمراء التي يحددها الدستور، وصلت حتى للتطاول على ذات جلالة الملك، الحوار حجة اليوم على المعارضة التي لهج لسانها بكلمة الحوار وحينما جلست على الطاولة أثبتت أنها أبعد ما تكون من تأهيل لمجرد الجلوس على طاولة للتحاور.
إن استمروا في المماطلة والتعنت سيثبتون مجدداً للعالم في كل جلسة من هو الطرف الذي يريد الخير لهذا الوطن ويمتلك القدرة للتعاطي حتى مع المنقلبين عليه الساعين لإسقاط النظام، ومن هو الطرف الذي لا يتحمل كلمة اختلاف فيبدأ بإطلاق النعوت والشتائم ويتصلب في رأيه ومواقفه.
نكتب ذلك ونحن نشك أنكم قادرون أن تثبتوا أننا على خطأ!