مازلنا نستكمل تركيب قطع البازل في لوحة الشرق الأوسط السياسية، ونتنقل بعدستنا الفاحصة في القطع واحدة تلو الأخرى، وبعد تركيب عدد منها متناسقة ومتكاملة مع المشهد في الجانب التركي، ويتلوه الكردي بوجه عام، نعود للمجموعة الثانية بعد أمريكا وإسرائيل.. ألا وهي إيران.
ولا يخفى الاستثمار الذي تعمل به إيران في العراق، واتحادها النسبي مع تركيا فيما يتعلق بعدد من الملفات أبرزها الملف الكردي مروراً بملف ساخن عنوانه «مشروع الغاب»، وكيف أن إيران سارت على بعض خطاه من أجل إغراق العراق في الويلات وتعطيشه وتجويعه، وهو ما مارسته إيران على «الأهوار» بحكم امتلاكها لبعض منابع المياه التي تصب هناك.
كما أمسكت إيران بزمام عدد من القضايا في المنطقة، ولعل أعنفها سوريا، تليها ربما البحرين في الدعم الإيراني للإرهاب والتحريض، فضلاً عما ثبت مراراً وتكراراً عن التجسس الاستخباراتي الذي عملت به في المنطقة، ومن ثم مشاكساتها العدائية مع عدد من الدول الخليجية.
ورغم ما أشرنا إليه في مقالات سابقة حول العلاقات المزدوجة التي تربط إيران بكل من الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، وقدر ما يشوبها من صراع وسعي حثيث من إيران الشابة على الاستيلاء على عرش السيادة والإمساك بزمام الأمور في المنطقة في محاولة لإعادة أمجاد الدولة الفارسية وهيمنتها، ما يتولد عنه الرغبة بتجريد أمريكا وبقية القوى العظمى من سطوتهم على المنطقة وهيمنتهم عليها. إلا أنه من السذاجة القول بدوام الصراع بمعزل عن أي تعاون دبلوماسي أو دولي وربما تآمري على المنطقة، فاللعبة السياسية الراهنة قائمة على المصالح وعلى الازدواجية والأقنعة المتعددة.
لعل من المثير ما تحدثنا عنه سابقاً فيما يتعلق بالولاية العالمية للفقيه، وكيف أن إيران عملت على الهيمنة على العالم من خلال تأطير السياسة بأطر دينية موضوعة.
لكن.. هل ستكتفي إيران حقاً بـ «الولاية العالمية للفقيه» أداةً لتحقيق عالميتها المنشودة وتقوية شوكتها؟! وما هالة الغموض تلك التي تحيط بملفها النووي كجاذب مغناطيسي؟ إذ كلما أوشكت الرؤية على التجلي، عادت مجدداً لشبحيتها واكتمال وهج هالتها العاكس للأضواء إلى غير محل، وكذلك هي الأضواء الإعلامية.!!
إيران «تلعب بالبيضة والحجر»؛ لذلك نجدها تضع أفغانستان بمثابة بيضة القبان في العلاقات بينها وبين الولايات المتحدة الأمريكية، فيما ضمت إلى صفوفها حجماً لا يستهان به من الحلفاء من حيث القوة والعتاد والنفوذ السياسي، والاقتصادي كذلك.
لعل هذا المقال لا يشبع للقارئ فضولاً بقدر ما يحرضه على مزيد من القراءة، عله يلقى في نهاية المطاف جواباً شافياً لبعض تلك الأسئلة التي أثارها المقال في نفسه، أو على أقل تقدير يجد جواباً على أحدها.. ولكن ذلك سيتحقق تباعاً في المقالات القادمة، عندما تتجه بقية الأضواء نحو هدف جديد ونكتشف أن ثمة قطعاً جديدة في بازل الشرق الأوسط لم نتنبه لها بعد، أو لم نمنحها حقها من الأهمية، إن صح التعبير.
ولعل من الأسماء البراقة التي سنتناولها قريباً؛ روسيا، الصين، الهند، باكستان، كوريا الشمالية، وذلك بعدما خطفت تركيا منهم الأضواء وسحبت بساط الاهتمام لبرهة من الزمن.