اختتمنا المقال السابق بسؤال، «من هم الإخوان المسلمون؟»، وأشرنا أن الإجابة عليها سنجد بعضاً منها بين دفتي كتاب «الخميني والجماعة» الذي قدمناه سابقاً، والذي أشار إلى أن جماعة الإخوان المسلمين «ليست ذلك الشيخ المتعصب وتابعه الذي لا يقل عنه تعصباً، وإنما الحقيقيون هم الذين لا تتلطخ أيديهم بأعمال الحرق والقتل، بل هم المصرفيون ورجال المال السريون، ممن يمتلكون قدرات متنامية وسيطرة قوية على الأحداث حتى في الولايات المتحدة الأمريكية». وفي هذا إشارة واضحة للبون الشاسع بين زعماء الجماعة وسائر أعضائها الخاضعين للتعبئة كما أشرنا إليه في أحد المقالات السابقة، وذلك وفقاً لمبدأ السمع والطاعة المعمول به داخل إطار الجماعة.
ويدعو ذلك للقول أن عدداً لا يستهان به من المنتسبين للإخوان خاضعون خضوعاً كلياً لسطوة غسل الدماغ الذي تعرضوا إليه من قبل الجماعة وزعمائها، وهم في سباق واهم للتقرب من الجماعة ونيل المراكز القيادية فيها، فالجماعة لا تمنح مراكز قيادتها إلا لمن تربطها وإياهم وشائج المصاهرة والقربى. ولا شك أن عملاً كهذا قائم على منهجية إخوانية ما، نظراً لتكرارها في جميع مراكز الإخوان وهيئاتهم في سائر العالم الإسلامي، وهو ما هيأ الفرصة لإرساء قواعد الإرهاب الإخواني الذي أشرنا إليه في ما مضى.
ولأننا أشرنا أيضاً إلى أننا نسعى للحقيقة من أجلها وحدها، ليس للنيل من أحدهم ولا لنصرة آخر، فإنه من الإنصاف الإشارة لسلامة سجل الإخوان في البحرين من الإرهاب، غير أن الخطر لا يكمن بالضرورة في حمل السلاح أو القيام بعمليات تفجير وغيرها، فمن اللافت في منهجية إخوان البحرين المتفردة عن سائر الإخوان، توطيد علاقاتهم بالسلطة واللعب على سياسة إغماض العين الواحدة، فالسلطة شأنها شأن كل السلطات العالمية قد تجد المقربين إليها ومن يقدمون لها الولاء خير من يتبوأ المراكز العليا في البلاد لما يحققه من منفعة عامة قائمة على الاستقرار بالمقام الأول، فضلاً عن سير العمل في أجهزة الدولة وفق السياسة العامة للبلاد، وهو ما مكنهم بشكل لافت من التسلل بذكاء ودهاء، ومنذ سنوات طوال، لعدد كبير من أجهزة الدولة ووزاراتها، بل والتمركز الواضح في بعضها، نحو التمركز النسبي في وزارة التربية والتعليم، نظراً للشريحة العمرية التي تضمها من المستفيدين، والتي هي بمثابة فرصة سانحة لاجتذاب ما أمكن من الأطفال والمراهقين والشباب وانخراطهم في أروقة تنظيم تلك الجماعة.
ويتكرر الأمر نفسه نسبياً في وزارة الشؤون الإسلامية، فضلاً عن الامتداد للسيطرة على المساجد وما تشتمل عليه من مراكز دينية لتحفيظ القرآن الكريم، بغية تحقيق الهدف نفسه والذي يبرر وجودهم بوزارة التربية والتعليم لاسيما في الوظائف التعليمية. يجعل ذلك من الجماعة تنظيماً شبكياً يعمل على محاصرة وتحويط الفئات المستهدفة من كل صوب وناحية، ناهيك عن الانتشار الواسع لمراكزهم الإخوانية ومقارهم الرسمية.
ولعل المتتبع لأحوال المؤسسات حكومية وخاصة والمتفكر لبرهة، سيقدم على عجالة ما لا يربو على 10 مؤسسات مركزية تشكل كل منها عصب القطاع الذي تنتمي إليه، ممن تمركزت فيها جماعة الإخوان، والتي يندر أن تقبل بشركاء معها في الجهاز إذا ما أتيحت لها الفرصة، إذ غالباً ما تمنهج التعيين من الداخل، ليحمل اشتراطاً ضمنياً غير معلن لتعيين المنتمين للجماعة نفسها، أما ما شذّ من التعيينات فإنما هي حجة لهم إذا ما أتى على الإخوان يوم ووجه إليهم استفهام حول طبيعة هذا التمركز ودواعيه، ولكن.. من يا ترى يسأل.. ولو لمرة واحدة؟!!
يقودنا ذلك للبحث في الدواعي الخفية لهذا التمركز لاسيما في المناصب العليا والمواقع الإدارية من المؤسسات في البلاد، وهو ما يذكّر بعبدالرحمن الباكر حين يقول في كتابه «من البحرين إلى المنفى»: «إن الإخوان المسلمين وحركتهم الهدامة أشد خطورة على العرب والمسلمين من الشيوعيين؛ لأن الشيوعية مبدأ ينفر منه العربي والمسلم لكونه يخالف دينه وتقاليده وحياته الاجتماعية التي عاش فيها، ولكن دعوة الإخوان المسلمين دعوة دينية تفرق بين العربي وأخيه العربي.. إن دعوتهم إلى حكم الدين يستترون وراءها للوصول للحكم». وهو ما تبين جلياً في أولى بشائر الثورة المصرية، وحتى خلع زعيمهم من منصبه.
ولنتشارك التفكير جميعاً بالأمر، والدعوة للإخوان أنفسهم كما إنها موصولة للقراء من خارج الجماعة. من بين الردود التي تلقيتها على مقالاتي حول الإخوان، أشفق أحدهم على ما كتبت بدعوى الوقوع في منزلق الإعلام، ذلك الإعلام الذي خدم الإخوان كثيراً حتى يومنا هذا، بل ومدوا أذرعهم إليه بأشكال مختلفة نعرفها. فعن أي منزلق يتحدثون؟ أهو الخروج من الأطر التي وضعتها جماعة الإخوان لنفسها إعلامياً، والتواري خلف عدد من الصور المصنوعة لإخفاء الصورة الحقيقية التي ليس ثمة مجال لتوجيه الانتباه عنها اليوم؟ فالساحة بكل ما تحتويه من عناصر، تناولت مآخذها وانتقاداتها وتوجيهاتها للإخوان، على نسب متفرقة.
أكرر أن مثل هذه المقالات ليست للنيل من أحد، بقدر ما أنها فرصة حقيقية لإسقاط الأقنعة بعدما سقطت أنظمة واهتزت عروش، وإنما هي دعوة مخلصة للمنتمين إلى الإخوان والمنخرطين في أنشطتهم الترفيهية الجاذبة لمزيد من المراجعة وتوخي الحذر من غسل العقول الذي قد يتعرضون إليه أو يعرضون أبناءهم لسطوته في عمر مبكرة، فمن الصعوبة بمكان تغيير قناعاتهم وأيديولوجيتهم لاحقاً، انطلاقاً من «العلم في الصغر كالنقش على الحجر». أدعو المنظمين لمؤسسات الإخوان ومن يظنون أنفسهم منتمين للفكر الإخواني لمزيد من البحث والسبر في حقيقة الإخوان من خارج مصادر الإخوان ومراجعهم، قبل المضي قدماً مع الجماعة وقبل فوات الأوان.
كما إننا نتطلع جميعاً لكلمة مسؤولة من قبل أحد قياديي الإخوان في البحرين، وممثل عنهم، تؤكد لنا النهج الإخواني المحلي، وحدود وضوابط الفكر لديهم، لكي تتضح الصورة لنا وللقارئ، وتجلي الغموض للدولة وقادتها وساستها.
إننا بحاجة ماسة للإجابة عن سؤال: «هل ينتمي إخوان البحرين لبقية إخوان العالم الإسلامي؟ ويذعنون بالولاء لمرشد الجماعة «محمد بديع» شأنهم شأن الآخرين؟ أم أنهم يعملون على الانتقائية في منهجية الإخوان تجنباً للإرهاب وعملاً بالواجبات الدينية دعوياً وسياسياً على السواء؟ أم أنهم بريئون من ذلك ولا يعدو جمعهم على كونه كياناً دينياً دعوياً خيرياً مستقلاً عن بقية الإخوان؟».
إننا بحاجة لتوضيح متكامل من قبل الجماعة نفسها حتى لا نقع في ظلمهم يوماً، وهي دعوة لنبذ الصمت وتقديم رد أو بيان، من منطلق أن الساكت عن الحق شيطان أخرس، فإن كان ثمة تعقيب على ما أوردناه فإنه محل ترحيب، بل إننا نتطلع إليه بشغف، وإن كنا على خطأ فقومونا بالتي هي أحسن، انطلاقاً من شعاراتكم المستوحاة من القرآن الكريم، لعلنا نتعرف على ما لا يمكننا الوصول إليه عن حقيقة الجماعة وحسن نواياها إلا من خلالكم، لنكون كذلك مسؤولين عن التعاطي مع هذا الرد حسبما يجب أن يكون.
إلى هنا.. لم نصل إلى النهاية.. فلعل النهاية تخطها أقلام زعماء الإخوان أنفسهم.. وها نحن بالانتظار.!!