أجواء حرب إقليمية تتورط فيها أطراف دولية كالعادة. هذا أنسب وصف يمكن إطلاقه على الأوضاع السائدة في منطقة الشرق الأوسط اليوم. فحالة استقرار الفوضى لا تعني فقط أن الأوضاع الأمنية والسياسية ستكون في فوضى مستمرة، ولكنها تعني أن ديمومة الفوضى قد تقود إلى خيارات كثيرة.
وعليه فإن فرص عودة الأمن والاستقرار تتضاءل يوماً بعد يوم، وكلما تضاءلت هذه الفرص زادت هيمنة حالة استقرار الفوضى لفترة أطول مما مضى عليها.
ماذا يعني استمرار حالة استقرار الفوضى؟
تعني الدخول في حالة صراع حادة بين مجموعة من الأطراف الإقليمية التي ستنقل صراعاتها الداخلية إلى خارج نطاقها الجغرافي الفعلي اعتقاداً أن الأمن والاستقرار ستكون فرصه أكبر بهذه الطريقة، ولكنها ستصطدم بواقع مختلف حيث ستتورط خارجياً وستتراجع قدرتها على إعادة الأمن والاستقرار بسبب وجود مصالح دولية في صراعات الشرق الأوسط، فضلاً عن تداخل الصراع الإقليمي مع الصراعات الداخلية. وبالتالي ستفشل محاولاتها الداخلية والخارجية لتحقيق الهدف الذي تتطلع إليه.
إذاً ما الخيارات المتاحة في المنطقة لإعادة الأمن والاستقرار؟
لا يمكن أن يتحقق هذا الهدف دون حسم الصراع الدائر في سوريا أولاً باعتباره محور الصراع في المنطقة اليوم. وهناك أيضاً حاجة ملحة لاحتواء تدخلات القوى الدولية التي تتركز مصالحها استراتيجياً في المنطقة.
حسم الصراع في الأزمة السورية مفتاح مهم في المنطقة، ولذلك ليس متوقعاً أن تكون معركة حسمه سريعة أو سهلة، بل قد تكون طويلة ومعقدة.
أما احتواء تدخلات القوى الدولية فإنه يمثل تحدياً كبيراً فهي في النهاية ينصب اهتمامها على مصالحها الاستراتيجية في المنطقة، ولحماية هذه المصالح لابد من الحفاظ على توازن القوى إقليمياً. مما يعني أنه ليس في مصلحة القوى الدولية كالولايات المتحدة أو دول الاتحاد الأوروبي حسم الصراع في سوريا، لأن الحسم سيؤدي إلى الإخلال بتوازن القوى الإقليمي وإضعاف محور ولاية الفقيه الممتد من طهران إلى دمشق، وهذا ما يفسر تباطؤ هذه الأطراف في التدخل عسكرياً حتى الآن لحسم الصراع.
في ظل محدودية هذه الخيارات بالمنطقة فإن فرص انتهاء حالة استقرار الفوضى تبدو بعيدة، ومن المعطيات يمكن الإشارة إلى الصراعات المقبلة لن تكون فيها أطراف دولية بشكل مباشر، وإنما ستكون من خلال أطراف إقليمية عربية، ولكن الأهم أنها ستكون مكلفة للغاية لجميع الأطراف، وليس مستبعداً أن تكون صراعات صفرية الجميع فيها خاسر.