في حلقة البارحة في برنامج كلمة أخيرة استعرض الدكتور محمد مبارك جمعة قصصاً وأمثلة واقعية بالاسم وبالتاريخ تعطي إجابة واضحة لسؤال حيرّنا طوال السنتين الماضيتين، وهو ما الحل إذا اعترض حق الفرد مع حق الدولة أو حق الآخرين؟
إذا تعرضت الدولة للخطر نتيجة ممارسة أحد المواطنين حقه في التعبير أو حقه في التجمع أو حقه في العمل السياسي لمن الأولوية ولمن الغلبة؟
الأمثلة لم تكن من دول حديثة العهد بالديمقراطية، بل كانت من بيتها ومن عقر دارها، هذه الدولة التي شكلت لنا لجان التحقيق ودخلت لعقر دارنا تعطينا دروساً في حماية الحقوق المدنية للأفراد هي نفسها التي رمت بعرض الحائط هذه الحقوق وأعطت الأولوية لحق الدولة، حق المجتمع، حق الآخرين، هم أنفسهم ضربوا بعرض الحائط حقوق المشتبه فيهم حتى قبل التحقيق معهم، وضربوا عرض الحائط بحقوق الموقوفين وحقوق المتهمين وحقوق المدانين، حين تعرض أمنهم الوطني للتهديد.
فتجسست واعتقلت وعذبت وبرأت متهمين بالتعذيب و ووو و لم تبالِ بانتقادات منظمات حقوقية أو بإعلام، بل كان أمنها فوق أي اعتبار.
لا ندعو هنا لانتهاكات حقوق أي من الموقوفين أو المدانين أو المشتبه بهم أبداً، ليكن ذلك واضحاً، لكن بعدما سمعناه وما شاهدناه نقول لأي مسؤول بحريني، أيا كان موقعه، إن القصص والأسماء والشواهد التي ذكرت في تلك الحلقة يجب أن تكون موجودة في جيبه أو يحفظها على قلبه، فإن اجتمع مع أي مسؤول أمريكي أو بريطاني وبدأ يضع رِجلاً على رجل ويعلمنا كتلاميذه عن الحقوق المدنية ويعلمنا كيف نحمي وطننا ليس علينا إلا أن نتلو عليه ما في الورقة من أمثلة من بلده بعد أن ينهي محاضرته، ثم يطلب منه الاستفادة من خبراتهم في الحفاظ على أمنهم القومي.
لابد من مراجعة قوانينا بحيث تنص على الضوابط القانونية التي تحفظ حقوق الآخرين وتحفظ أمن وسيادة الدولة. فالعديد من نصوصنا لا تستوفي هذا القصور، نريد أن تكفل الدولة حق التعبير وحق التجمع وحق العمل السياسي للفرد وللجماعات، لكن نريد من الدولة أيضاً أن تحفظ أمننا وسيادتنا، ونريد منها أن تحفظ حقوق الآخرين غير المعنيين بالتعبير العلني، ومثلما تحفظ حق من يريد أن يتجمع ويسير في مسيرة عليها أن تحفظ حق الآخرين الذين لهم مصالح في خط سير هذه المسيرة.
ومثلما حفظت حق المواطن بالتنقل والاتصال بالدول وبالمنظمات الأخرى لابد من حق حفظ أمن وسيادة الدولة وتحديد مصادر التهديد والخطر لها.
نريد من الدولة أن تبني علاقات دولية سليمة مع الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا مبنية على الاحترام المتبادل، إنما نكرر الاحترام المتبادل وأول صور الاحترام هو احترام عقولنا وحفظ كرامتنا حتى تكون هناك حدود «لنصائح» أي دولة.
مملكة البحرين دولة مستقلة ولها سيادتها حتى لو كانت أصغر دولة في العالم. فالشعوب كبيرة بكرامتها وبعزتها.
الناس تحترمك حين تعرف قوة صمودك، ولو تخلت الدنيا كلها عنك، وما بقيت إلا كرامتك ليكن.
لا أحد يزايد على إنسانيتنا وعلى مدنيتنا وعلى حضارتنا، نحن حضارة تمتد إلى أكثر من 5000 سنة، والمدنية عندنا موجودة قبل أن يخترعوها، وعندنا كل الأديان والأعراق تتعايش في البحرين بشكل يحلمون فيه ولا ينالونه في مكان ثانٍ، وديننا وأعرافنا وتقاليدنا جعلت الناس تتمنى أنها تحصل على جواز بحريني وتتمنى أن تعيش على هذه الأرض.
لا فرقنا بين دين وآخر، ولا فرقنا بين أبيض أو أسود، ولا فرقنا بين أصل وغير أصل، ولا في أي من أوراقنا الثبوتية ما يدل على لوننا أو ديننا أو أصلنا وفصلنا.
لجأ عندنا الذين اضطهدوا والذين عانوا والخائف والفقير ومن يبحث عن رزقه، ولو كانت البحرين أو قوانينها لا تتوفر فيها مقومات الحقوق الإنسانية وليست هي البيئة الحضارية والحاضنة للمدنية لما رأينا طوابير تطلب الإقامة وتطلب الجنسية.
نحن نعرف تماماً حقيقة أهدافهم، ونعرف حجم التناقضات وحجم الازدواجية التي يعانون منها، فرجاء يا مسؤولين إن جلستم معهم إن اجتمعتم بهم، لا ينزل رأس البحريني بقبولكم الابتزاز وعدم مواجهتكم لهم بواقعنا وكشف حقيقة واقعهم.