ونحن نواجه أكبر أزمة أمنية تمر في تاريخ البحرين لمحاولة قلب نظام الحكم عام 2011، خرج علينا المدعو طارق السويدان، المفكر الإسلامي من دولة الكويت الشقيقة، بتصريح يحاول فيه قلب الحقائق وتدنيس تاريخ الشعب البحريني الأصيل وعراقته، مقسماً الشعب البحريني بكامل فئاته وطوائفه المختلفة إلى طائفتين فقط؛ سنة وشيعة، متناسياً ومتجاهلاً النسب الحقيقية لكلا الطائفتين تاريخياً، أقلها فترة خمسينات البحرين الماضية المشكلة حينها لحقيقة من هم غالبية الشعب البحريني.
بالحقيقة لا يهمنا السويدان اليوم كثيراً رغم أنني على الصعيد الشخصي حضرت له عدة محاضرات، وكنت معجبة سابقاً بطريقة تدريسه، وأراه أفضل المحاضرين والمدربين، فقد احترقت أوراقه وكشفت أقنعة توجهاته، بل ما يهمنا في هذا المقال من يدافع عنه ويبرر تصرفاته هنا بالبحرين! صدمنا كثيراً ونحن نجد رجالاً ونساء من خيرة المواطنين لدينا بالبحرين والخليج يدافعون عنه ويعارضون قرار إقالته من قبل سمو الأمير الوليد بن طلال، رغم كل ما صدر عنه بحق البحرين، ورغم أنهم في دفاعهم عنه يوجد تناقض «يدافعون عنه بزعم أن توقيت إقالته جاء لمعارضته الانقلاب العسكري بمصر ولأنه إخواني ولا يجب فصل أحد ما لكونه ينتمي لحزب أو فكر معين ويتجاهلون تصرفاته وتصريحاته فيما يتهمون بنفس الوقت الأمير الوليد بن طلال بالعلمانية وينتقدون فكره وشخصه لا أسباب تصرفه!».
كما نذكر لمن يتساءل عن سبب توقيت إقالته توقيت تصريحه الأول الذي من جملة ما ذكر فيه «البحرين غالبية شيعية تحكمها أقلية سنية وأن الشيعة بالبحرين مظلومون، لأنه تم قمع ثورتهم»، واصفاً من كان مع القمع «فض ثورتهم الإرهابية» على حد تعبيره بـ «المجانين!!»، لمن صنفه على أنه تسرع وعدم فهم حقيقي لمجريات الأمور بالبحرين سرعان ما اعتذر عنه وتراجع باعتذار «لمن يدقق في كلماته يراه بالأصل ليس باعتذار بل لف ودوران»، نقول له توقيت كلامه لم يكن بريئاً بالأصل لا تصريحه ولا حتى اعتذاره لمن يفهم ويحلل، فلم يحدث يوماً أن وجدناه يهتم بالشأن البحريني ويتداوله بهذه الطريقة ومن ناحية سياسية وتاريخية، فلما بالأصل ظهر فجأة بتصريحه في أصعب فترة زمنية كنا نعيشها نحن بالبحرين «وكأنه كنا ناقصين فتن وتصريحات تلك الأيام تساند الأعمال الإرهابية وقت اشتدت المحنة علينا وكانت كثير من المنظمات الدولية والإعلامية ضدنا، وكانت تلك المحطة أكبر اختبار يكشف لنا المعادن والضمائر الحية ومن معنا ومن ضدنا وقتها».
لذا نقول لمن يدافع عنه وعارض قرار منع إقالته وفق توجيه أصدره سمو الأمير الوليد بن طلال؛ ركزوا على توقيت تصريحاته، فحتى تصريحه الأخير باليمن «الحكم بالبحرين يجب أن يكون للشيعة لأنهم غالبية»، والذي جاء قبل أشهر من إطلاق حملة تمرد البحرين والدعوة للتحشيد مجدداً لتكرار سيناريو 2011 هذا الرجل صاحب فتنة بين طوائف الشعب البحريني، ولا يختلف عن قادة الفتن والإرهاب لدينا، فمن يؤيد الإرهاب ولو بشكل مبطن هو إرهابي بالنهاية وإن كان إسلامي التوجه، فالدين يقول الفتنة أشد من القتل «في محاضرته باليمن يدعي أنه صاحب مبادئ وفكر لا زعيم حزب، رغم أنه قال في مقدمة كلامه مناقضاً نفسه إنه أحد قادة الإخوان!»، وإن كان مبدأه أن الأكثرية يجب أن تحكم، معنى هذا أنه بعد سنين طويلة، يجب أن تحكمنا الجاليات الآسيوية المقيمة لدينا لكونها الأكثرية بالخليج، وهكذا نلغي تاريخ شعوبنا العريق بالمنطقة ونسير على كلامه الذي لا يمكن أن يحتكم إليه عاقل!! نشدد على أن كلامنا لا يعني أننا نحاربه لأنه إخواني بل لأنه صاحب فتنة وتصريحاته ضد البحرين، وقرار الوليد بن طلال جاء للمصلحة العامة ويلجم فتنة ويزيح نشر أفكاره ويصب في مصلحة البحرين بغض النظر عن الإخوان!
كما نقول لمن يدافعون عنه بدافع عاطفة الدين لا المنطق؛ أول مبادئ الوطنية التي تعلمناها أن البحرين أولاً تأتي في مقدمة كل أهدافنا وأعمالنا وتوجهاتنا بالحياة، فالوطن يأتي دائماً قبل كل شيء.. قبل كل فكر وانتماء وجماعة وحزب.. قبل العائلة والأهل والنفس.. مصلحة الوطن قبل مصلحة أي جمعية وأي فكر وانتماء أهلي أو سياسي أو اجتماعي وغيره.. لا يمكن أن نقدم مصالحنا الشخصية أو السياسية على مصلحة الوطن ككل؛ فكيف اليوم نرضى بمن تجاهل تاريخنا كشعب بحريني، من منطلق عاطفة الانتماء لجماعة الإخوان الإسلامية وما شابه؟ كلنا بالأصل مسلمون ومع التوجهات الإسلامية، لكن لا يمكن أن نرضى على من يخطئ في حق البحرين، لأن من يفعل ذلك كأنه أخطأ في حقنا نحن وفي حق عائلاتنا وأهلنا وعلينا جميعاً أن نؤيد كل قرار يصب في مصلحة الدفاع عن البحرين ضد من يتحرك ضدها بالتصريحات والفتن.
إحساس أخير..
هناك برنامج تلفزيوني مصري جميل عرض برمضان اسمه «من غير زعل»، يقوم فيه المذيع بالاتفاق مع المذيع الآخر الذي يزعم أنه ضيف بالحلقة بعمل مقلب في الفنان الذي يستضيفونه من خلال معارضته بالرأي واستفزازه، والظهور في كل حلقة بشخصيات متعددة مثل شخصية المغرور أو شخصية الفنان الغيور المهاجم المنتقد أو الكاذب وهكذا، وفي كل حلقة يعمد المذيع أو المذيعة وهم يتظاهرون بأنهم ضيوف بالحلقة إلى الظهور بشخصية مختلفة.
كانت رسالة البرنامج جداً جميلة وتخلط بين الكوميديا والتدريب على ثقافة الحوار البناء ومفهوم الاختلاف الواعي، مركزين على مبدأ لا يجب أن يؤدي الاختلاف إلى خلاف فيما بيننا، حيث في بداية البرنامج توضع فقرة ترحيبية نصها «كلنا مختلفون واختلافنا يجعلنا نغضب ونزعل لكن لا يوجد أحد أفضل من الآخر وليس من حق أحد أن يحاكم أحداً فلا بد أن نكون بلداً واحداً وشعباً واحداً، وأن نرى الغضب والاختلاف عندما يزيد من الممكن أن يوصلنا إلى أين، لنختلف ولكن من غير زعل!!» ولذا نقول لنختلف ولكن فيما يمس الوطن علينا أن نتحد ومن غير زعل!!