وعدت في ختام مقالي السابق الإجابة عن السؤال؛ أتواجه الصين أمريكا؟ وفي مستهل المقال وقبل الإبحار بمراكب المستكشفين لسبر أغوار الحقائق الكامنة، دعونا نتذكر أن إيران تلقت دعماً كبيراً جداً من الصين على عدة أوجه كان أبرزها الدعم العسكري والتكنولوجي، شاملاً الدعم الكبير لبرنامج المفاعل النووي الإيراني. وعللنا ذلك بأن الصين قد شرّعت أبواب القوة العسكرية لإيران بغية تحقيق مواجهة مع أمريكا في سبيل العيون السوداء التي تغنى بها شعراء الاقتصاد وقراصنة الأجواف، إنها العيون النفطية الخليجية، نظراً للهيمنة الأمريكية عليها وحاجة الصين الماسة لسلبها إياها.
والآن.. عندما تقف الصين كحليف لإيران بوجه الولايات المتحدة الأمريكية، إنما ذلك راجع للنمو الاقتصادي المبهر الذي شهدته الصين في فترة وجيزة، مقابل تراجع لافت هز عروش الاقتصاد الأمريكية ومن عليها. فضلاً عن دخول الصين ضمن مجموعة «بريكس» الدول صاحبة أسرع نمو اقتصادي بالعالم.
وليس الاقتصاد وحده ما يثير القلق الأمريكي؛ إنما ما سيتمخض عن ذلك النمو وتبعاته، إذ تعمل مجموعة «بريكس» على تأسيس نظام عالمي ثنائي القطبية في مواجهة أحادية القطب الأمريكي.
يعلل ذلك أيضاً حجم الضغوط التي تمارسها الولايات المتحدة الأمريكية على مجموعة «بريكس»، خصوصاً روسيا والصين والهند؛ نظراً لبروز دورهم كحلفاء لإيران. فضلاً عما سيتبع النمو الاقتصادي الصيني من نمو عسكري لافت في فترة قصيرة في ظل ما تملكه الصين من إمكانات، الأمر الذي تنبأ به تقرير وزارة الدفاع الأمريكية «البنتاغون»، وما يعنيه ذلك أن الصين ستكون واحدة من أكثر الدول قدرةً على منافسة الولايات المتحدة الأمريكية على المستوى الدولي، لاسيما في ظل بناء الصين لأسطولها البحري الحديث من المدمرات والغواصات.
العرس الإيراني..
أيبيح هذا لإيران إقامة عرسها مع الصين لإعلان ميثاق أبدي يجمعهما، ويبعدها عن تحرشات راعي البقر «cowboy» أمريكا وغوايته؟ معلنةً عليه الانتصار، مستقويةً ببطلها الجديد؟!!
أعتقد. أن على إيران أن تتمهل قليلاً؛ فربما يكون ذلك عرس الدم الذي تقتاد فيه للإعدام، عجل الله به. فالعلاقات النفعية الإيرانية - الصينية ليست متفقةً بشكل مطلق كذلك. الطرفان لديهما أيضاً كثير من المصالح المتعارضة، والتي من الممكن أن تجعل الصين تتخلى عن إيران في مستقبل منظور.
صحيح أن المشهد الراهن لا ينبئ بتأثر الصين بمحركات أمريكية كما هو حال العلاقات الإيرانية - الروسية، التي بدأت في إعادة التشكل نسبياً بوجه مختلف، فالصين مازالت تحقق من تعاونها مع إيران مكاسب ومنافع جمة ليس ثمة احتمال لأن تقدمها الولايات المتحدة الأمريكية لها في الوقت الراهن، إلا أن عالم السياسة يزخر بالمفاجآت دوماً، وراعي البقر الأمريكي لن يستسلم بسهولة إزاء تزويج فاتنته من قوة يستدر ودها لصالحه.
وإن حدثت المفاجأة ربما تتبدل المعادلة وتنقلب الصين على عقبيها كما تكاد روسيا، ورغم أن ذلك قائم على الاحتمالية النسبية؛ إلا أن إيران «ناقضة العهود» ملوثة الأيدي بدماء الغدر وسكاكين الظهر، هي أولى من يستحق صفعة كهذه من حلفائها، تعيدها لرشدها وصوابها.. ولتعرف يوماً «أنَّ الله حقّ».