الخطر المشترك الذي وجدت المملكة العربية السعودية نفسها فيه، مع جمهورية مصر العربية، هو الذي جعل الدولتين تتخذان قراراً مشتركاً هو الأول من نوعه في التاريخ الحديث للدولة المصرية وللمملكة العربية السعودية، قراراً لا يبعدها عن حليف سياسي تمتع بمميزات خاصة فحسب، بل قراراً يجعلهما في مواجهة هذا الحليف وللمرة الأولى منذ وفاة الزعيم جمال عبدالناصر.
فلأول مرة منذ وفاة عبدالناصر ومنذ وفاة الملك فيصل رحمهما الله، تخرج دولتان بهذا الحجم عن بيت الطاعة الأمريكي، لتشكلا محوراً مضاداً لمخططها الذي أراد أن يقضي عليهما و يسقطهما من خلال تجاوزهما كدولتين، و التآمر مع «الجماعات» فيهما.
بالنسبة للسعودية كاد المشروع الجديد للشرق الأوسط أن يحيط بها ككماشة ممهداً لإسقاطها من بعد تثبيت تلك الجماعات في السلطة، فكانت البحرين هي نقطة الانطلاق للدولة السعودية شرقاً، ثم تلتها مصر شمالاً، فوجدت المملكة العربية السعودية نفسها بين كماشتي المشروع الجديد، وسقوط مصر في يد الجماعات ينهي دورها التقليدي كدولة و يمهد لسقوطها لتنخرط المسبحة بالكامل عن انتهاء عمق استراتيجي تعتمد عليه السعودية في أمنها و استقرارها.
لم يكن حراك الجماعات لينتهي عند مصر بعد أن يستولي على الشمال الأفريقي و من ثم الشرق الخليجي، و كلنا رأينا كيف فترت العلاقة السعودية مع دول الشمال الأفريقي بعد تولي هذه الجماعات التي ترى في السعودية عائقاً أكبر أمام امتدادها الديني السياسي.
أخيراً .. لم يكن أحد ليظن أن الحليف الأكثر ضماناً لأمن المنطقة و لأمن السعودية ممكن أن يتحول هو ذاته إلى الخطر الأكبر على المنطقة ولهذا فإن تصدي مصر والمملكة العربية السعودية لمشروع الشرق الأوسط الجديد لم يكن تصدياً «للجماعات الدينية» بقدر ما هو تصدٍ للولايات المتحدة الأمريكية الراعي الرسمي لهذه الجماعات.
نعم .. فالمعركة الدبلوماسية التي تخوضها الدولتان الآن، وهما المكونان الأساسان للمحور العربي الجديد، هي في أساسها الآن في مواجهة الضغوط الأمريكية التي تحاول أن تنقذ ما يمكن إنقاذه بعد أن تفيق من الصفعة التي تلقتها لا في مواجهة «الجماعات».
نحن اليوم أمام محور شرق أوسطي جديد يضم مصر والسعودية والإمارات والبحرين والكويت والأردن تستشعر ذات الخطر وعلى قناعة تامة بأنه خطر قائم إلى الآن وبدعم أمريكي، نشاط دبلوماسي استخدمت فيه من الأوراق التفاوضية ما وصل إلى التهديد برفع سعر البترول!
المحور الآن يخوض معركة تحديد مصير في مواجهة وتحدٍ دوليين يشمل الولايات المتحدة الأمريكية ومعها الاتحاد الأوروبي.
فلا يجب أن تشغلنا تحديات الداخل «المقدور» عليها، إنما معركة هذا المحور في تعامله مع التهديدات والضغوط الدولية، وقوة هذا المحور و صموده قائم على إدراكه بأن تحالفه الجديد قائم على تواصل استراتيجي متكامل طويل المدى لا على تحالف تكتيكي ينتهي مع هدوء عاصفة «الجماعات الدينية».
بمعنى ليس الهدف من هذا الحلف والغاية منه القضاء على «الجماعات» فذلك هدف تكتيكي صغير قياساً بالتحدي الأكبر، و خطأ جسيم إن حصرنا أنفسنا فيه، بل لابد من الإدراك بأن الغاية من هذا المحور هو أن يكون محوراً معنياً بموقعنا الدولي، ومحوراً يفرض أجندته على أي مستقبل للمنطقة مستعيناً بكل أوراقه التفاوضية، متخلياً عن سياسة الاعتماد على أي طرف خارجي، مستوعباً خطأ التأخر في التحرك والتراخي في اتخاذ القرار.
سقطت بغداد و سقطت سوريا وكادت البحرين أن تسقط و نجت مصر بأعجوبة، لا بسبب ما خطط وما رسم لهذه الدول بل بسبب تأخر التحرك الذاتي.
نحن اليوم نرى محوراً أجبر الاتحاد الأوروبي على تغيير موقفه تجاه قرار الشعب المصري، وأجبر الإدارة الأمريكية على اتخاذ إجراءات مخففة على مصر بعد أن كانت تلك الإدارة تهدد وتتوعد مصر، نحن إذاً نملك قوة تفاوضية عظمى إنما كانت معطلة.
ولا حاجة لتعداد المميزات التي يتمتع بها هذا المحور كموقع وطاقة وموارد بشرية وماء ومساحة أرض ، لكنها كانت أوراقاً مهمشة ومجمدة كأداة تفاوضية.
صمود هذا المحور وبقاؤه على نفس الحماس الذي ولد فيه بإمكانه أن يعيد رسم المنطقة فعلاً، إنما بيد المحور لا بيد الآخرين.
حينها ستتبدل حسابات كثيرة في المنطقة، و بعد أن كنا نستجدي إشراكنا في الاجتماعات الدولية التي ترسم مستقبل المنطقة، كاجتماعات 5+1 مع إيران، و اجتماعات 8+1 مع تركيا اللتين كانتا ترسمان فيها خرائط المنطقة، ونحن نتفرج، وإن أشركونا فنكون بصفة مراقب، فإنه بإمكاننا بعد أن تتحدد أسس جديدة للعلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية، أسس تتباين فيها وجهات النظر وتستقل وتتعامل مع الرؤية الأمريكية كرؤية تشكل خطراً علينا لا رؤية تساهم في أمننا، فإن موقعنا التفاوضي سيكون مختلفاً.
لذا فإن كان هناك من رأي أونصيحة لهذا المحور الجديد الآن، فلا بد أن يكون تحرك وزير الخارجية الأول لمصر من بعد 30 يونيو للقاء الاتحاد الأوروبي، أو للقاء الولايات المتحدة الأمريكية، أن يكون بمعية وزراء الخارجية لدول المحور الجديد، و أن تطلب مصر أو تطلب المملكة العربية السعودية عقده على أرضها، كفانا (حجاً) لأرضهم واستجداء لعطفهم، بعد 30 يونيو المصري العربي جربنا كيف ممكن أن نكون نحن الرقم الصعب .. فاستثمروا هذه البذرة.