كل البشارات العربية من المحيط إلى الخليج سوداوية ولا تبشر بالخير، فالمشهد القاتم والمرعب لما يحدث في أوطاننا كلها، هو عبارة عن حالة من الانهيار التام، ولا نعلم إلى أين تجمعنا أقدارنا كما يقول الشاعر إبراهيم ناجي في «الأطلال».
الحديث العربي المشترك هو حديث ذو شجون، وفي كل قطر عربي هناك قصة كبيرة لا تنتهي فصولها إلا بمشاهد دراماتيكية تتفطر لها قلوب الجبال.
في حديث جمع بيني وبين أحد الأخوة الإعلاميين من السودان الشقيق حول الأوضاع الراهنة في الخرطوم، حيث كان في مهمة للمملكة العربية السعودية، ويتابع من هناك آخر تطورات وطنه السودان عبر «فيس بوك»، فسألته ما هي أخبار السودان؟ فأجاب: ليس هنالك ما يُسر، فالأخبار المتداولة حالياً أن منسوب المياه في نهر النيل في تزايد كبير عن المعدل الطبيعي، ومن المؤكد لو هطلت الأمطار خلال اليومين القادمين فإن كارثة ستحصل لا محالة، خصوصاً في المناطق الفقيرة.
ثم أضاف صاحبنا قائلاً: «نحن تعودنا على هذه الأخبار خلاص، كما تعودنا على المصائب، فليس هنالك مثل السودان في وضعه المأساوي، ولو تركونا نعيش لكانت الخرطوم جنة من جنات الأرض».
قلت له بأن الاستعمار لن يتركنا إلا بعد أن يقوم بتفتيت الوطن العربي وإنهاكه وسرقته بالكامل.. فقاطعني قائلاً: «إحنا نسدها منين ولا منين؟»
أكد لي صاحبي الزُّول أن مناطق الثروة الحيوانية غالباً ما تقع في الريف السوداني، وفي تلك المناطق تحديداً تكثر الثروة الحيوانية بصورة ملفته جداً، لكن وبسبب عدم وجود مصانع للحليب يضطر أهالي الريف إلى سكبه في الشوارع، ومن هنا فإن أولئك الأهالي يقومون باستيراد الحليب من الخارج لعدم وجود مصانع نقوم بتعبئة الحليب الطازج الذي تنتجه مواشيهم!
ليست المشكلة في الحليب ولا في نهر النيل ولا في الأمطار كذلك، بل المشكلة تكمن في تكالب الأيدي الاستعمارية القذرة التي تحاول إعاقة كل تطور عربي، والتي تحاول أن تجعل من الوطن العربي الكبير، محطة للتسول تارة وللضياع تارة أخرى. شعوب تائهة، وأنظمة عربية مستبدة، واستعمار يحكم قبضته الحديدية على رقاب الشعوب، ثم نأتي من بعيد لنتحدث عن تنمية وتطور وتقدم. ليست السودان ولا ليبيا ولا الصومال ولا مصر ولا تونس ولا سوريا هي الدول الوحيدة التي تعيش أزمات داخلية، بل أن غالبية الدول العربية حبيسة القرارات الغربية والدولية، لأنها لا تملك منذ الاستقلال مقومات الدولة العصـرية، ولا شعوبها هي الشعـوب التي تدرك ما يدور حولهـا.
وطن كبير يدعى بالوطن العربي يفقد بوصلته بعد أول موجة تضرب سفينته في عرض البحر، أما إذا حان موعد الليل الدّامس، فإن الرجوع إلى المرفأ سيحتاج إلى معجزة.