إلى من حمل شعار سحق الإنسانية والضمير آملاً في سحق الوطن وتحويله إلى مشروع وطن جديد تسحق هويته الأصلية وتستبدل بأخرى تتبع قافلة أحلام خارجية الهوى؛ كتبنا لك بالأسبوع الماضي رسالة تعبيرية مقصدنا منها بيان الفرق الشاسع بين بحرين الأمس وبحرين اليوم، والتي كان مفصل تحولها خطبتك التي أطلقت الضوء الأخضر للإرهاب، نعود لنكمل ونحن نقول لك عيسى قاسم رد وطني وعيدي اليومي الذي كنا نعيشه ونحن نمضي في الوطن نحو الوطن!! نحو حبه وبناء أعمدة نهضته وتطوير مختلف قطاعاته منشغلين نمضي وقتنا ونضع خططنا لتنميته لا بالدفاع عنه.
رد وطني البحرين الذي كنا نشكل فيه عائلة بحرينية واحدة متحدة لا فرق فيها بين طائفة وأخرى؛ نأكل من نفس الأطباق معاً وندخل المنازل والأحياء والأبواب مفتوحة على بعضها البعض ونشهد حفلات زواج بين الطائفتين السنية والشيعية وسط أجواء حب ومودة وتراحم، رد بحرين التآلف لا الحواجز ونحن نحضر حفل زفاف زميلتي الجامعية زينب بأحد مآتم سترة قبل أكثر من خمس سنين مضت، دخلنا سترة وهي تنعم بالأمن والاستقرار، وقتها جلست وسط فتيات القرية نحتفل بفرحة زينب الكبيرة دون خوف وتردد، أيامها لم تكن هناك بيننا حواجز اجتماعية أو مذهبية، كنا ندرك أن اختلافاتنا في الآراء لا تعني العداوة ولا تترجم برمي المولوتوف وإرهاب الآخرين وممارسة التكسير والتخريب، كانت ثقافة الاختلاف في ذلك الزمن راقية جداً يقودها مشروع إصلاحي كبير وميثاق عمل يساوي بين المواطنين جميعاً دون تمييز.
لم تصل إلى مسامعنا بعد ونحن نخطو في مراحل متقدمة من العمر وننشأ وننبت مصطلحات مثل «سني.. شيعي.. إرهابي.. مرتزق»، وطني الذي كانت مقاعد مدارسه تجمع بين طلبة من مختلف الفئات والطوائف دون تمييز ودون أن تصل لمدارسه الزجاجات الحارقة ومحاولات ضرب السلم التعليمي ضمن خطة زعزعة السلم الأهلي ككل والعصيان المدني، ودون فكرة من تكون زميلتي هذه ومن أي عائلة وطائفة وفكر وتوجه! كنا نحفظ أسماءنا فقط لا ما بعدها من عائلة وانتماء، دون فكرة أن نكتشف لاحقاً ونحن نغادر مدارسنا متخرجين منها أن من علمونا فيها حروف الوطنية وأبجديات حب الانتماء من معلمات بعضهن سقطت أقنعتهن ورحنا نتفرج ونتابع كيف أشاعوا في مدارسنا الإضرابات والفوضى حاملين شعارات نكراء مغايرة ومعاكسة للصورة الجميلة والذكرى الطيبة التي نحتفظ بها لهن لتدمي قلوبنا، التي لم تتعرف بعد على بشاعة الكراهية وصدمة الطائفية وترى الوجه الحقيقي البغيض لأعداء الوطن على يدهم وأفعالهم!!
وطني البحرين الذي كنا نتسابق في حصص الرسم والفن على رسمه وتلوين خارطته بحب ودفء والفوز بأجمل لوحة تلصق على جدران الفصول معنونة بأسمائنا المقرونة باسمه والمرتبطة به، قبل أن تهزنا وتصفعنا عبارات تسيء له وتشوه سمعته وتطال رموزنا الوطنية الكبيرة بوقاحة معنونة بحرية رأي وديمقراطية، البحرين الخليجية العربية لا الجمهورية الإسلامية التي أعلنها مشيمع في دوار مجلس التعاون، بالمناسبة كنا نحب هذا الدوار كثيراً لكونه يرمز إلى دول الخليج وأحد معالم البحرين البارزة، ما تخيلنا يوماً أن هناك من أراد خطف بحريننا الغالية واقتطاعها من سلسلة دول الخليج باتخاذ هذا الدوار رمزاً لمحاولة قلب نظام الحكم!! وطني البحرين الذي كبرنا واتجهنا لجامعته الوطنية فبتنا هناك عائلة واحدة نعمل معاً ونحن نختلف في الطوائف والمذاهب ونتفق على خدمة الطلبة والوطن، كنا نتساعد في تعليق صور الأنشطة والفعاليات على جدران الجامعة بحب وإخلاص للنهوض بالعمل الطلابي فيها، ترى لو جالسنا اليوم الدفعات الطلابية التي جاءت من بعدنا لنحكي لهم عن هذا الإرث الوطني الطلابي الجميل؛ فهل سيصدقوننا اليوم بعد كل ما رأوه من إجرام وتكسير وتخريب تحت مسمى الطائفية؟
عيسى قاسم رد وطني البحرين الذي كنا ونحن نمر بشوارعه صغاراً إذا ما صادف ولمحنا شرطي مرور أو أمن نختبئ في المقاعد الخلفية بالسيارة ظناً منا أنه سيأخذنا عن أهلنا، كما يقولون لنا دائماً، عندما نقوم ببعض الشقاوة في السيارة حتى نكف ونهدأ، كان لرجل الأمن هيبة كبيرة ما تخيلناها يوماً ستسفك تحت إطارات السيارات نفسها التي كنا نختبئ فيها عنهم على يد من تهاونوا عن مكانته وعمله!! رد تلك الصورة الجميلة التي نسفت في عقولنا وعقول الأجيال التي من بعدنا وتحتاج الآن لإصلاح ومشوار طويل من الترميم والتعديل حتى ترد هيبته مجدداً بعد أن أفتيت بإباحة دمه.
وطني البحرين الذي كنت أتجول في مجمعاته مع صديقتي زهراء، في ليلة رأس السنة كانت زهراء تصلي مثلنا رغم اختلاف مذاهبنا قبل أن تقاطعني دون أي سبب وتشطبني من كل أدوات التواصل الاجتماعي، ودون إبداء أية كلمة حتى بعد أزمة فبراير 2011، زميلتي زينب التي كانت أحياناً لا تجمع صلاتها وتصلي معنا الظهر والعصر!! هكذا كنا قبل خمس سنوات أو أكثر وهكذا كانت البحرين، نختلف في طريقة صلاتنا لكن قبلتنا واحدة ونختلف في الآراء لكن وجهتنا واحدة، وجهتنا نحو الوطن دائماً.
وطني البحرين نعيش فيه ونمتزج مع بعضنا البعض دون أن تكون اختلافاتنا الطائفية أو الدينية حواجز نسفت وهدمت اليوم، رد وطني البحرين وخذ أوهامك وسراب أحلامك وارحل عنها حتى يرحل الشر ويكف الأذى وتعيش الأجيال القادمة بسلام وأعياد وطنية يومية وتعود بحرين الحب والشعب الواحد!!