طبيعة النهر أن يواصل الجريان، وطبيعة الليل أن يعقب النهار والنهار يعقب الليل، وكل شيء يجري كما أراد الله له أن يجري، للكل مهمته الخاصة به، الإنسان والحيوان والشمس والقمر، بالضبط كحركة المد والجزر؛ لا الجزر أفضل من المد ولا المد أفضل من الجزر، من يولد يمر بمراحل الطفولة والصبا والمراهقة والرجولة والكهولة ثم يموت ويعود إلى بيته الأول، كل شيء يسير وفق الخطة الإلهية أو سنة الحياة وقوانينها التي لا تتبدل.
ونحن، أبناء آدم، علينا أن نؤمن بما أراد الله لنا أن نكون؛ نعمر الأرض، نزرعها بالخيرات، نخدم أمثالنا من البشر، أي بمعنى آخر أن نقوم بإنجاز المهمة التي من أجلها خلقنا، ومن أجلها أعطانا الاختيار وجعلنا مسؤولين عن نوايانا وأفكارنا وخواطرنا وأفعالنا وسلوكنا، فبالعقل نستطيع أن نفرق بين الخطأ والصواب والحرام والحلال والحق والباطل.
فإذا سار الإنسان حسب الخطة الإلهية استطاع أن يعيش راضياً ويموت راضياً، فالرضا هو أكثر أهمية من السعادة التي قد تكون مؤقتة، الرضا أكثر ديمومة من الأفراح التي قد تتخللها أتراح، لها علاقة بحركة المجتمع وقوانين الربح والخسارة.
في كتابه «لا تحزن» يقول الدكتور عايض القرني في مقال تحت عنوان «اقبل الحياة كما هي»، «إن حال الدنيا منغصة اللذات، كثيرة التبعات، جاهمة المحيا، كثيرة التلون، مزجت بالكدر، وخلطت بالنكد، وأنت منها في كبد. ولن تجد والداً أو زوجةً، أو صديقاً، أو نبيلاً، ولا مسكناً ولا وظيفةً إلا وفيه ما يكدر، وعنده ما يسوء أحياناً، فأطفئ حر شرهِ ببردِ خيرِهِ، لتنجوَ رأساً برأس، والجروحُ قصاصٌ. أراد اللهُ لهذه الدنيا أن تكون جامعةً للضدينِ، والنوعين، والفريقين، والرأيين خيرٍ وشرٍ، صلاحٍ وفسادٍ، سرورٍ وحزْنٍ، ثم يصفو الخيرُ كلهُ، والصلاحُ والسرورُ في الجنةِ، ويجمعُ الشرُّ كله والفسادُ والحزنُ في النارِ. في الحديث: «الدنيا ملعونةٌ؛ ملعونٌ ما فيها إلا ذكرُ اللهِ وما والاهُ وعالمٌ ومتعلمٌ». فعشْ واقعكَ ولا تسرحْ من الخيالِ، وحلقْ في عالمِ المثالياتِ، اقبلْ دنياكَ كما هي، وطوِّع نفسك لمعايشتها ومواطنتها، فسوف لا يصفو لك فيها صاحبٌ، ولا يكملُ لك فيها أمرٌ، لأنَّ الصفوَ والكمال والتمام ليس من شأنها ولا منْ صفاتها. لن تكمل لك زوجةٌ، وفي الحديث: «لا يفركُ مؤمنٌ مؤمنةً إن كره منها خلقاً رضي منها آخر». فينبغي أنْ نسدد ونقارب، ونعفوَ ونصفحَ، ونأخذ ما تيسرَ، ونذر ما تعسر ونغضَّ الطرْف أحياناً، ونسدد الخطى، ونتغافل عن أمورٍ».
من هنا أقول دائما اقبل نفسك كما أنت، طويلاً أو قصيراً، ضعيفاً أو سميناً، رجلاً أو امرأة، فقيراً أو غنياً، عندما تقبل بما أنت عليه وتحب غيرك كما تحب نفسك، حينها سترى أن كل الأمور الجميلة والطيبة سوف تأتي إليك من كل الجهات.