لسنا في باب إلقاء موعظة استراتيجية، لكن نبينا محمد «ص» حسم قضية النمو السكاني لصالح الزيادة والتباهي بكثرة الأمة يوم القيامة، وقد عانت دول الخليج من القصور في تحقيق أمور تنموية عدة بسبب قلة عدد السكان. ويبدو الأمر أكثر صعوبة حين تريد طاقماً لدبابة «إبرامز» أو طياراً للإقلاع الفوري بمقاتلة من الجيل الخامس.
لقد كانت هناك في مطلع الاستقلال توجهات خليجية لزيادة عدد السكان بالصورة الطبيعية. ثم تم تبني المفهوم الغربي لتحديد النسل كما تبنينا أن اليوم الممطر جو سيء. وكانت تلك بمثابة الخطيئة الأصلية التي ستلازم كل خطوات تلافي الانكشاف الاستراتيجي، بل وسيتواصل تأثير الخطيئة الأصلية حتى نرجع عنها. ويزيد الأمر تعقيداً أن ضآلة الكثافة السكانية رافقها وفرة بحياة الرفاه أدت لعزوف الشباب عن العمل العسكري برمته. فما بالكم بالعمل الخطر والشاق والذي يتطلب تدريباً ومهارات عقلية وجسمية عالية!
وكما غير البارود والدبابة ثم الطائرة، العقائد القتالية، تلوح في الأفق منذ فترة عقيدة قتالية جديدة قد تكون منفذاً لتحطيم أحد أعمدة الانكشاف الاستراتيجي الذي تعاني منه دول الخليج وهو قلة العسكريين بصورة عامة. فقد بدأت دول غربية عدة بصنع أسلحة تعتمد بشكل رئيس على الآلة بدون تدخل العنصر البشري، حيث تملك هذه الأسلحة سرعة حركة تفوق سرعة الصوت وتستخدم قوة نارية لا يمكن للإنسان مقاومتها.
ولعل الطائرة بدون طيار هي من يتصدر المشهد الافتتاحي لهذه الحقبة رغم وجود أسلحة أخرى لا تحتاج للإنسان في عملها. لكن الطائرة التي راهن عليها أوباما في حربه مع طالبان أثبتت أنها تستطيع أن تقلع وتناور وتصور وتقصف بمرونة متناهية مع عدم وجود كلفة بشرية في حال فقدانها. وكأنها تقول للخليجيين بمثلهم العتيد «جاك يا مهنا ما تمنى» والتي تقال لمن ينال طلبه ويحصل على مراده. فالمؤسسة العسكرية الخليجية تحتاج للأسلحة التي تعتمد بشكل رئيس على الآلة بدون تدخل العنصر البشري «الروبوت» ليس لأن ذلك رهان على المستقبل فحسب بل لأسباب أخرى منها:
- التفوق العددي للعدو المفترض، بالإضافة لقلة عدد السكان التي حددت عدد الطيارين، والرماة في المدرعات والمدفعية وغيرها من الأسلحة، بالإضافة لقلة المتميزين - ولست في معرض التبخيس في حق العسكر فقد كنت منهم – لكن لقلة التدريب والمناورات والمواجهات العسكرية، حيث لا قبل للخليجيين بتنفيذ مناورة كل شهر كما تفعل مثلاً قطاعات الحرس الثوري.
- تنوع أساليب التدريب «بالمشبهات Simulators» والدمج بين الواقعي والحاسبات وتنفيذ ألعاب الحرب بشكل مستمر جعل إدارة الأسلحة الآلية أمر مستطاع، وقد سهل ذلك تزايد أعمال التحكم الآلي في مختلف نظم التسليح عالمياً مما يجعل التحول مرحلة لازمة أصلاً.
وتحفل القصص المتعلقة بالبدايات بمعوقات شتى، لكن الرقي بالعقيدة القتالية الخليجية أمر حتمي وليس خياراً بين خيارات، حيث تنقسم عملية التحديث المؤلمة إلى محاور فكرية وتأهيلية وفنية تتطلب التالي:
- هدم وإعادة بناء آلية اتخاذ القرار العسكري المثقل بالقيود في المؤسسة العسكرية الخليجية وبدون تجاهل قواعد الاشتباك يصبح من حق العسكري المكلف بإدارة هذه الأسلحة اتخاذ الإجراء المناسب، في الوقت المناسب.
- يحتاج مركز توجيه الأسلحة المعتمدة على الآلة بدون تدخل العنصر البشري «الروبوت» لعسكريين نابغين في النظريات الرياضية وإيجاد قيم ومقاييس للمتغيرات المؤثرة في عمل كل سلاح. ولعل الخطوة الأولى في هذا المسعى هي تدريب القادة وهيئة الركن بكل المستويات على ألعاب الحرب بالحاسبات.
- في سنوات لم تبتعد عنا كثيراً استأجر فريق كلية «كمبرلي» للقيادة والأركان، نظام «Geronimo» وكنت مبهوراً بقدرته على تنفيذ طلعة جوية كاملة في يوم واحد من فريقين متحاربين. واليوم نسمع عن أجهزة تنفذ مئات الطلعات الجوية في ساعة واحدة. ومرد ذلك تطور الحاسبات العسكرية. مما يجعل مشروع «الروبوت الخليجي» في حاجة لبنية تحتية معقدة لرادارات ولشبكة حاسبات ذات سرعة هائلة، وقدرة تخزينية ضخمة ويديره فريق وطني قادر على العمل لفترات طويلة.
إن ما يعيب هذا النوع من التسلح هو سهولة تمكن الخصم من آلتنا الحربية حال تمكنه من اختراق مركز توجيه المقاتل الآلي في السلاح نفسه، أو في مركز القيادة والسيطرة.
ففي نهاية عام 2011 وبمساعدة روسية وقيل صينية استطاع الإيرانيون إعادة تحديد المواقع والإحداثيات التي تتبعها الطائرة الأمريكية بدون طيار «ScanEagle» لجعلها تحط في إيران وهي تعتقد أنها قاعدتها الفعلية في أفغانستان.
لكن دخول حقبة القتال «بالروبوت» آتية لا محالة. ومما يشجع على الدخول في هذا المجال أن هناك إحساساً بهذا التغير في الفكر العسكري المحيط بنا، فهناك طائرة بدون طيار سعودية وأخرى إماراتية، وثالثة في مصر. كما عرضت السودان طائرتها المروحية «الصافات 2». فهل يتحول الخيال العلمي إلى واقع ملموس؟
المدير التنفيذي لمجموعة مراقبة الخليج