يوم الخميس اعتلى «فطحل» الوفاق المنصة ونسي نفسه، فهدد وأزبد وأرعد، واعداً بحرق البلد إن لم ينفذ شعب البحرين تعليماته، فقال لأهل البحرين نفذوها ماذا وإلا! تحت هذه الأجواء وضمن هذا السياق يستمر الحوار منعقداً.
الذي يجري الآن في مملكة البحرين لا يندرج تحت الصورة المشروعة للتحاور، ما يجري الآن هو أن شعباً مجبراً للجلوس للتحاور تحت التهديد والابتزاز، ما يجري هو أن سكينة موضوعة على رقبة شعب بأسره، وضعتها جماعة تهدد بحرق البلد إن لم تنفذ طلباتها، حين أعلنت الوفاق يوم الخميس بأنها استلمت راية التفجيرات، والحرق علناً وعلى مرأى ومسمع العالم دون مواربة ودون أن تستشير أياً من شركائها الأربع الذين جلسوا كالبلهاء لا يعرفون ماذا حدث! فإن ذلك يعني اندماج الجناح العسكري ومليشيات إيران مع الوفاق اندماجاً علنياً، اضطرت فيه الوفاق أن تكشف عن ورقة الزواج العرفي التي بينها وبين 14 فبراير، بعد شعور الأمانة العامة للوفاق بأن البساط سحب من تحت أقدامها وخسرت الشارع، اضطر علي سلمان أن يتجرع المر بالذهاب طوعاً لزيارة الشهابي كامرأة أجبرت للعودة لبيت الطاعة، والإقرار بأن الشارع خرج من يده، وتلك لحظة انتظرها سعيد الشهابي وجماعة لندن منذ 2002 وبدؤوا يتلذذون بإذلال علي سلمان بعد أن اتهموه بإجهاض «الثورة» فذهب يسترضيهم ولهذا عاد بتصعيد قام به الفطحل بخطاب يستعرض فيه عضلاته ويستعين فيه بمفردات الشهابي علّ وعسى يوقفون التشهير به.
هذه الرمانة التي حملتها الوفاق يوم الخميس لا تستقيم مع الرمانة الثانية وصاحبها «كراجيسكي» السفير الأمريكي الذي يستحثهم على عدم مغادرة الحوار ونبذ العنف، فلا يستقيم الحديث عن السلام والأمن ونبذ العنف وحمل راية 14 فبراير؟ لكن الوفاق مصرة أن تكون لاعب سيرك.
كيف للوفاق الآن أن تواصل الحوار بهذه الضغوط وبهذه البوصلة الضائعة ووسط هذه التجاذبات؟
كيف للمشاركين الآخرين أن يجلسوا مع من رفع راية الإرهاب وصرح بالتهديد المباشر إما أن تنفذوا تعليماتي وتقبلوا ورقتي ماذا وإلا؟
على صعيد المزاج العام للمجتمع البحريني، لو أجريت استطلاعاً سريعاً عند أهل البحرين عن الحوار لوجدت رفضاً ونفوراً له وأن حياتهم «ماشية» بدونه، ليس لأن شعب البحرين شعب غير راقٍ ولا يؤمن بالتحاور، فالحوار من حيث المبدأ ليس مرفوضاً، والإصلاح السياسي وتطور العملية الديمقراطية وزيادة رقعة الاختصاصات الشعبية كموضوع للحوار رغبة ليست وفاقية فحسب، إنما ليست رغبة ملحة كما تصورها الوفاق، وبإمكان شعب البحرين النقاش حول آلية وتوقيت ومراحل تطوير التجربة الديمقراطية والتوافق حولها بالمسار الطبيعي لهذا النوع من التجاذبات والحوارات فالشعب البحريني مؤمن بأن هذه النقاشات كيفما كانت وأينما كانت لا يجب أن تعطل حياته، لأن عملية التطوير عملية مستمرة ولن تنتهي، والأهم أن هذا التحاور لابد أن يجري من خلال العديد من الوسائل المتاحة في البحرين سواء كانت هذه الوسائل هي المؤسسات الدستورية أوالإعلام أو حتى من خلال المناقشات العامة، ولو كنا نتحدث عن هذه الصورة من التحاور لما وجدت اعتراضاً من أحد، إنما نحن مجبرون على الجلوس مع جماعة تنتابها حالة من اليأس والارتباك نتيجة انصراف الجمهور عنها، جماعة مرتبكة يائسة تهدد بحرق البلد، تستمد مشروعياتها من اتصالها بالسفير الأمريكي فحسب، نحن الآن نتحدث عن صور من التهديد بالإرهاب والابتزاز القذر والمدان.. لا عن حوار.
ملاحظة:
استمرار الحوار رغم علم الجميع بما آل إليه من صورة غير شرعية، يذكرني بأساليب المفاوضين الذين تستعين بهم القوات الأمنية لإقناع الإرهابي الذي يهدد بقتل الرهائن وبينهم الأطفال والنساء وتفجير المبنى بأن يستهدي بالله ويماطله خبراء التفاوض لإشغاله بسؤاله عن هوايته ومشاكله كي يطيلون الأمد، ويمتصون الغضب إلى حين يقوم الفريق الأمني بتفكيك العبوة وإنقاذ الرهائن.