أظن أن البحرينيين أكثر الشعوب العربية قدرة على فهم الحالة المصرية وإدراك مشاعر الذهول والصدمة التي يعاني منها المصريون اليوم، فقد استفاق المصريون بعد 30 يونيه على جيش غفير من الإعلاميين والحقوقيين والشخصيات الدولية الرسمية والعامة ووسائل الإعلام والمنظمات الدولية التي دست أنفها في الشأن المصري، وأخذت تفتي فيه وتوزع البيانات والتصريحات بل وتروج الإشاعات وتلفق الأخبار لتكوين رأي عالمي مخالف لما يراه المصريون ويعرفونه، وتلك الحالة قد عشناها في البحرين بالتفاصيل ذاتها، ويبدو أن كل شعب يواجه جماعة منظمة لها امتداداتها الدولية وعلاقاتها الإقليمية وأجنداتها الذاتية يواجه الحالة نفسها.
كان خيار الغالبية المصرية إسقاط الرئيس محمد مرسي في 30 يونيه بعد أن ضاقوا ذرعاً بفشله في إدارة شؤون الدولة وانحيازه لجماعته على حساب المصلحة الوطنية، وكان خيار الجيش الانحياز لقرار الشعب بعد أن رأى حالة الاستقطاب التي قد تهدد الأمن القومي المصري في ظل وجود آلاف الإرهابيين في سيناء واستعداد أضعافهم لدخول مصر من ليبيا، وكان خيار جماعة الإخوان التمسك بالحكم أياً كانت التكلفة والضريبة. لذلك سخّرت الجماعة عناصر التنظيم الدولي لشن حرب ضارية ضد الشعب المصري وجيشه. بعض عناصر التنظيم تمثل في ما يسميه المصريون اليوم بالخلايا الإخوانية النائمة داخل مصر، وباقي العناصر تتألف من شخصيات مؤثرة أو مسؤولة تنتمي إلى تنظيم الإخوان الدولي خارج مصر.
شخصيات التنظيم الدولي للإخوان خارج مصر فاجأتنا بكثرتها وبالالتحام في ساعة صفر واحدة وبتبني الخطاب الواحد. أول تلك الشخصيات السيد رجب طيب أردوغان رئيس وزراء تركيا الذي أصيب بما يشبه الانهيار العصبي الهستيري، وأخذ يتصرف ويصرح خارج التقاليد الدبلوماسية والدولية المتعارف عليها بين الدول، متناسياً أن من خلفه معارضة تعد عليه أنفاسه وتحصي أخطاءه التي أصبحت تضر بمصالح تركيا الداخلية والخارجية.
الشخصية الثانية هي صاحبة نوبل، توكل كرمان، التي فشلت في أداء دورها النوبلي داخل اليمن وانحازت انحيازاً سافراً لحزب التجمع للإصلاح (الإخواني) الذي تنتمي إليه، في خصوماته السياسية وخصوصاً في مشاكل حزب التجمع مع أهل جنوب اليمن، وقد بدأت كرمان تصريحاتها في الشأن المصري متضامنة مع حركة تمرد ومقرة بأخطاء جماعة الإخوان في الحكم ومؤيدة لإسقاط محمد مرسي، ثم جاءتها توجيهات التنظيم، على ما يبدو، لتقلب آراءها دورة كاملة فتعتبر ما حدث انقلاباً على الشرعية وخروجاً عن الديمقراطية وتتطرف في انحيازها لتصف جماعة الإخوان بأنها أكثر الأحزاب السياسية العربية ديمقراطية ومدنية!! وتنتهي بالإعلان عن عزمها التوجه للاعتصام في رابعة العدوية، وهو التصريح الذي أضر باليمنيين، حيث فرضت السلطات المصرية تأشيرات دخول على القادمين من اليمن.
ولا يتسع المجال لاستعراض الكم الغفير من عناصر التنظيم الدولي ولكن يكفي التنويه إلى عناصر التنظيم في دول الخليج ودور طارق سويدان وإخوان الكويت في التجييش ضد إرادة الشعب المصري، والبيان الذي أصدرته جمعية المنبر الإسلامي البحرينية الذي لا يخرج عن كونه بياناً حزبياً يتبنى وجهة نظر الجماعة التي ينتمي إليها ويدافع عن موقفها، حتى وإن تجاوز حدوده القطرية لينعت خصوم الجماعة من الشعب المصري بالأقباط والبلطجية وموتوري الانتخابات. وحتى وإن وصف دعم دول الخليج العربي للاقتصاد المصري بأنه تورط في سفك دماء المصريين!!
أما ما يسميه المصريون بالخلايا الإخوانية النائمة فهم مجموعة من المثقفين والمفكرين غير المنضمين رسمياً في التنظيم الإخواني ولكنهم معرفون بعلاقاتهم الإخوانية التاريخية وبميولهم الفكرية الإخوانية وبترويجهم الدائم للمشروع الإخواني، وعلى رأس هؤلاء يقف المستشار طارق البشري مهندس الإعلان الدستوري في 30 مارس 2011، الذي انحاز لرغبة الإخوان في إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية قبل إعداد الدستور وأدخل مصر في مآزق دستورية بسبب بعض الثغرات الدستورية فيه انتهت بما آلت إليه الأمور اليوم، وكذلك الدكتور محمد سليم العوا صاحب مبادرة سحب الإعلان الدستوري الشهير الذي أصدره الرئيس السابق محمد مرسي في 2012، مع إبقاء آثاره المتمثلة في الإبقاء على اللجنة التأسيسية للدستور والإبقاء على مجلس الشورى المنحل بأمر قضائي والإبقاء على النائب العام المعين من قبل محمد مرسي، وهي المبادرة التي اعتبرت التفافاً على المطالبات الشعبية بإسقاط الإعلان الدستوري وإسقاط آثاره. والدكتور فهمي هويدي الذي عكف عاماً كاملاً على الترويج لنظرية «الدولة العميقة» التي استوردها من تجربة الرئيس التركي الإخواني السابق نجم الدين أربكان في تركيا ليخلق مقاربة، غير واقعية، بين الحالة التركية والحالة المصرية تغطية على إخفاق مرسي في إدارة شؤون مصر وافتقاده المشروع اللازم لمواجهة أزمات بلد خارج منهكاً من ثورة شعبية كبيرة. اليوم يخرج هذا الثالوث على المصريين بمبادرة يترأسها الدكتور سليم العوا تهدف إلى إجهاض الثورة والعودة إلى شرعية الدستور الذي يرفضه الثوار والقوى السياسية، وهي المبادرة التي وصفت بأنها طوق النجاة للجماعة وإعادتها إلى سدة الحكم مرة ثانية.
إن هدف عناصر التنظيم الدولي للإخوان، الذي ظل صامتاً أمام أخطاء حكم محمد مرسي، هو نشر البلبلة ومحاولة تشتيت إجماع الأغلبية المصرية الثائرة ضد جماعة الإخوان والتخويف من نتائج سقوط مرسي والترويع بسفك الدماء، وخلق ضوضاء إعلامية للضغط على الرأي العالمي الغربي والتأثير فيه بأن ما حدث هو انقلاب عسكري قاده الجيش مع بضع مئات الألوف من فلول مبارك والأقباط والممثلين والفنانين وأطفال الشوارع والبلطجية المأجورين، وأن غالبية الشعب المصري متمسكة بشرعية حكم محمد مرسي، وهذا ما يعد تدخلاً في الإرادة الشعبية المصرية ومحاولة فرض إرادة التنظيم الدولي للإخوان على المصريين، وهو ما يفتح أمامنا أسئلة وجيهة حول حقيقة هذا التنظيم الدولي وأهدافه وأخطاره..

... وللحديث صلة