رغم الأطماع الإيرانية في الخليج العربي عموماً، وخصوصاً البحرين، إلا أنها ليست السبب الوحيد لإثارة الفوضى في المملكة وتأزيم مجريات الأحداث على مر سنوات مضت ومازالت؛ فقد استغلت البحرين لتكون ساحة لتصفية الخصومات الخارجية على حساب شعبها وأمنها واقتصادها، ومن ثم لمزيد من المصالحات والمعاهدات السرية، وهو ما دعا لمزيد من التدخل الإيراني في الشؤون الداخلية للمملكة، ومزيد من الضغوط والويلات من قبل الغرب تحقيقاً لأطماع كل منهما من البحرين والخليج. فضلاً عن مصالح أخرى لجمعيات سياسية راديكالية تجمعها مع إيران حيناً ومع الغرب حيناً، ومع الاثنين معاً في أغلب الأحيان. تلك هي المؤامرة!!
ولو تعمقنا أكثر في الحديث عن الغرب والمتمثل بالمقام الأول في أمريكا «الشريك السري» لإيران في المؤامرة، نجد رغم أن القوة التي تملكها أمريكا في بسط نفوذها المباشر على البحرين عبر «تدخلات صديقة مريرة» في الشؤون الداخلية، إلا أنها في موقف «التوجس الصديق» من إيران؛ تلك التي برهنت عبر تاريخها الطويل أن «لا صاحب لها»، وأنها لا تؤتمن البتة. ناهيك عن مساعيها الحثيثة في بسط نفوذ عالمي منافس أو الإحلال محل النفوذ الأمريكي، وذلك عبر استلهام «رسالتها العالمية» من وحي دستورها الفارسي، والذي تعمل طهران بمقتضاه في سياستها الخارجية بزعم مساندة المستضعفين ودعمهم، وذلك عبر «الولاية العالمية للفقيه» وقيادة الأمة الإسلامية.
وقد عزز ظهور «حزب الله» هذه الرغبة ومنح إيران مزيداً من القوة، نظراً لما يتمتع به الحزب من قدرات قتالية وعسكرية فائقة ولتماشيه مع أهواء إيران في المظلومية والحجة والمواجهة والمكانة؛ ولذلك عملت إيران على دعم «حزب الله» وتمويله، ثم ما لبثت أن ركزت على تقديم مرجعياتها الدينية الإيرانية لسائر الشيعة في العالم، فضلاً عن المبالغة في بناء المساجد والمشاهد الدينية في أراضيها لتكون قبلة الشيعة وجاذباً روحياً وسياسياً لهم. ومن المثير للسخرية التسمية التي أطلقتها على نفسها «أم القرى»، في محاولة مثيرة للشفقة لسحب القدسية الإلهية من مكة وتحويلها إلى طهران، وكيف لا؟! إن حازت إيران حصرياً على شرف منح أوليائها الفقهاء صكوك الجنة والنار، الأمر الذي جعلها محل ثقة إلهية خاصة، وهاهي ذا تتدرج في نيل المراتب والشرف الإلهي في قدسية أراضيها لبركة أوليائها الفقهاء.
ما سبق.. يفسر المواقف الإيرانية ويبرر فاعليتها السياسية في كل من العراق ولبنان وسوريا، وتحريكها الرئيس للفوضى والإرهاب في دول الخليج العربي وخصوصاً البحرين، وقيادتها غير المباشرة للخطى الأمريكية المتخبطة أحياناً في المنطقة، فضلاً عن تدخلاتها في الشؤون اليمنية والسودانية ومنذ أمد بعيد ومازال.. في الشؤون الفلسطينية. ولعل مما يجدر به أن يستوقفنا هنا، تلك العلاقة الإيرانية الأمريكية «المثيرة للجدل»، والتي تقودنا لفتح ملفات أخرى شبيهة نستلهم منها التبعية الأمريكية السياسية في كثير من الأحيان، نحو التبعية الأمريكية لإسرائيل وتسخير إمكاناتها جمعاء في خدمة الصهيونية -الجانب الذي أشبعناه تحليلاً فيما قبل- وها هي أمريكا «شرطي العالم» في 2003 والمهيمن عليه منذ فترة لا يستهان بها، تعيد الكرة من جديد وتجعل من نفسها كرةً متمردة حيناً ومطواعة أحياناً كثيرة في ملعب الفرس. متناسيةً غدرهم، ومتغاضية عن قدر الكرة في استقبال الركلات تلو الركلات دون أدنى حق للرفض، وما أن تهترئ حتى يلقى بها لتستبدل بأخرى جديدة وذات جودة.!!
باعتقادي فإن أمريكا بحاجة جادة لمراجعة صنيعها بنفسها، وتقدير حجم اقتيادها نحو الهاوية من قبل إسرائيل ومن ثم الفاتنة الشابة إيران. ولعل تفسير ذلك راجع لاستنفاد أمريكا جميع طاقاتها وحيلها في لعبة سياسية، وتجاوزها مرحلة الشباب والعطاء وأوج ما حققته لحضارتها، وها هي ذات الشيخوخة مقبلة على الحضارة الأمريكية الممتدة لا محالة فتبدأ نشاطاتها بالانحسار، الأمر الذي يبرر اقتيادها من قبل طاقات شابة أخرى في محاولة لاستغلال موقعها السياسي من العالم ونفوذها، وبالمقابل في محاولة منها لإنعاش آخر ما تبقى من خلايا الطاقة في جسدها الوهن. وهذا هو حال الشيوخ يمنحون عصارة تجاربهم لتستنير بها الأجيال اللاحقة، فيما لا يفهمون لغة الشباب، كما تفعل تماماً الآن مع إيران. غير أن شباب الأخيرة لن يدوم طويلاً هي الأخرى.