الأول من مارس يصادف اليوم العالمي للدفاع المدني، وفي هذا اليوم وجب علينا أن نوجه التهنئة الخالصة من القلب إلى كافة أفراد الدفاع المدني في يومهم المحفوظ في ذاكرتي، لسبب أن الدفاع المدني له أثر بالغ في حياتي، حيث أمضيت فترة ثمان سنوات من عمري متطوعة في هذا الجهاز الحيوي في بيروت.
وينشط عمل هذا الجهاز في أيام الحرب والكوارث ولا تقل أهميته في أيام السلم، لقد كان سبباً رئيساً في تكوين شخصيتي ونضجها وصقلها، فيه تعلمت المعنى الحقيقي للعمل القيادي والقيمة الجوهرية للعمل التطوعي. وهو عندما لا يملك الإنسان أي وسيلة للدفاع عن نفسه والآخرين، سوى العزيمة والإصرار على تقديم كل ما يمكن لكي ينقذ حياتهم. ولاأزال أذكر القاعدة الوحيدة التي كانت تغضبني وتستفزني، ألا وهي «نفذ ثم اعترض»، إلا أنني أكتبها الآن وأشعر بأنها تستفز دموع الذكرى في عيني.
فقد لفتني منذ فترة جواب طفل في الثامنة من عمره، عندما سألته، هل تعرف ماذا يفعل رجل الدفاع المدني: فرد علي ببراءة: «يعني رجل الإطفاء؟ لقد قام قبل ذلك بإطفاء الحريق وإنقاذ أخي الصغير بعد أن علق في الغرفة، بسبب أنني أضعت مفتاحها، وغضبت مني أمي كثيراً»، وتفاجأت بأنني حصلت على نفس الجواب تقريباً من شاب يقارب عمره الثامنة عشر.
للأسف، فإن الكثيرين لا يعون الدور الكبير الذي يقوم به الدفاع المدني في مجتمعنا، وما هي الأدوار العديدة التي يقوم بها، فإن كان دوره الأبرز هو إطفاء الحريق إلا أن لديه الكثير والكثير من المهام الأساسية والتي لا يقل شأنها عن غيرها، طالما أن حماية الفرد وتخليصه من الأزمات هي شغله وهدفه الرئيس.
وفي حال اطلعت على أي مرجع بحثي يختص بالدفاع المدني، مهما اختلفت لغته وحداثته، فستقرأ التعريف الأولي للدفاع المدني، وهو واحد، والذي يتمثل بأن «الدفاع المدني هو مجموعة من الإجراءات والأعمال اللازمة لحماية السكان والممتلكات العامة والخاصة من أخطار الحريق والكوارث والحروب والحوادث المختلفة وإغاثة المنكوبين وتأمين سلامة المواصلات والاتصالات وسير العمل في المرافق العامة وحماية مصادر الثروة الوطنية في زمن السلم وحالات الحرب والطوارئ»، ونستدرك بعد قراءة هذا التعريف أن ما يقوم به رجال الدفاع المدني هي أعمال في غاية الأهمية، وإذا دققنا أكثر في التعريفات نقرأ بأنه نظام شبه عسكري وليس عسكرياً. والسبب أن رجل الدفاع المدني لا يحمل السلاح فهو يكون مدنياً، ويفدي بحياته الآخرين في سبيل إنقاذ حياتهم، وفي الوقت عينه إن نظامه الداخلي يكون مماثلاً للنظام العسكري من ناحية التراتبية وإصدار الأوامر والعمل بروح الفريق.
لذلك فإنني أناشد القادة المسؤولين في الدفاع المدني أن لا تقتصر المرحلة التوعوية بالدفاع المدني فقط في الفترة الزمنية المحيطة بالأول من مارس، إلا أنه لا بد من إنشاء قسم تطوعي شبابي للجنسين يعطي الفرصة لشبابنا من أجل التعرف على المعنى القيادي المبني على أسس صحيحة، بالإضافة إلى إدراك القيمة الحقيقية للعمل التطوعي، والذي لا يرتبط مباشرة بشهادة تقدير بنهاية الدورة، وإنما برفع وسام الشرف على صدورهم، بما يقومون به من دورٍ خالصٍ في حماية كل من بحاجة إلى تقديم يد المساعدة له.