تزامنت مع أزمة البحرين 2011 الدعوة إلى حكم «ولاية الفقيه» في البحرين، في محاولة انقلابية على نظام الحكم الحالي، وذلك في ظل مزاعم الراديكاليين بـ «ديكتاتورية» النظام القائم في المقام الأول، باعتبار أن نظام «ولاية الفقيه» منقذاً لهم من «جور الطغاة المزعومين ومُخلّصاً للشعب»!!
وقد اتخذ هؤلاء من إيران وبعض تياراتها السياسية أنموذجاً لـ «الثورة» مستنيرين بحركة الإمام الخميني المعارضة للشاه - عقب اختيار الأول مرجع تقليد مطلق للشيعة في العالم - والتي تكللت بإسقاط نظام الشاه واندلاع «الثورة الإسلامية» في سنة 1979. وكان من أهم ما تميزت به ملامح الثورة التي قادها الخميني بدعم من «مجتمع مدرسي حوزة قم العلمية» الترويج للرسائل العلمية، والتواصل مع مراجع قم وعلمائها، وطلب الدعم والمساندة، وإصدار البيانات، وإرسال الخطباء إلى مراكز متعددة من إيران لتحريض الناس على المشاركة في التظاهر والاحتجاج، إلى جانب الوفاء بحاجات عوائل السجناء، والتخطيط للاعتصامات وإرسال الرسائل إلى لجان حقوق الإنسان.
ولعل المتتبع لأزمة البحرين سيجد الراديكاليين قد تمسكوا بمنهجية الثورة الخمينية بكافة تفاصيلها، ويأتي على غرارها بعض مما أورده «يوسف البنخليل» في حديثه عن أسلحة حرب اللاعنف في البحرين، نحو رسائل المقاومة والدعم، والتصريحات والخطب، والشعارات، وتوزيع المنشورات والمطبوعات، ورفض السلطة. ولا ينفي ذلك استخدام العنف ضمنياً في نفس المرحلة، وظاهرياً في مراحل لاحقة ومستمرة حتى اليوم.
إن الدعوة إلى حكم «ولاية الفقيه» في البحرين تدعونا لطرح عدد من الأسئلة حول مفهومها في إيران باعتبارها مصدر الفكرة، والتساؤل حول مدى التأييد الذي تحظى به في الداخل الإيراني وفي صفوف رجال الدين المعممين، فضلاً عن ضرورة البحث في النظرة السائدة لدى راديكاليي البحرين إزاء من يخالف «ولاية الفقيه» أو لا يتفق معها من الشيعة، وما قد تُوجه إليه من اتهامات تكفيرية، ربما يقبلها الأئمة الإيرانيون وربما لا.
وفي الوقت الذي ناهض فيه راديكاليو البحرين نظام الحكم بزعمهم أنه «ديكتاتورياً»، أملاً في إرسال قواعد ديمقراطية حقيقية ببسط حكم «الولي الفقيه»، نجد الفيلسوف والفقيه آية الله عبدالله جوادي آملي يدافع عن نظرية «ولاية الفقيه» المطلقة القائمة على التنصيب، رغم إعلانه صراحةً أنها لا تنسجم مع الديمقراطية، ولكنه يعتقد بضرورة رفض الديمقراطية الغربية بشكل كامل، والإمساك في مقابل ذلك بما يُسمى «حكم الشعب الديني»، فيما تسعى «منظمة مجاهدي الثورة الإسلامية الإيرانية» لوضع صلاحيات الولي الفقيه في إطار محدود!!
وعند الوقوف على رأي آية الله أحمد آذري قمي، وهو من رجال الدين المقربين من الخميني، نجد موقفه مناهضاً لولاية الفقيه المطلقة، بقوله في إحدى جلسات مجلس الشورى الإسلامي «إن رأي الإمام الخميني هو إرشادي لا إلزامي»، وجاء في رسالة بعثها للخميني «إن الولي الفقيه لا يملك وظيفة أمام القوة التشريعية سوى الإرشاد والتوجيه، أما القيام بتعيين التكليف وإصدار الأحكام للمجلس فأمر خارج عن حدود صلاحياته»، وأعقبها بسلسلة مقالات جدلية جريئة بشأن ولاية الفقيه وحدود صلاحياتها، نشرها في صحيفة «رسالت».
ولعل من المحطات المثيرة في شأن ولاية الفقيه، موقف آية الله العظمى يوسف صانعي، المقرّب كذلك من الخميني، والذي شهد موقفه من ولاية الفقيه تحولاً يستحق التأمل، انتقل من مؤيد ومدافع عنيد عن ولاية الفقيه التي اعتبرها أساساً للدستور في مرحلة متقدمة، إلى معارض عنيد أيضاً عندما قال إن «ولاية الفقيه بالكامل مسألة غير سماوية، وإنما وضعية»!!
أما فيما يتعلق بالضغط الذي شكلته الجماعات الراديكالية البحرينية الداعية لنظام «ولاية الفقيه» على كل شيعي، عبر احتمالية تكفير من يخالف النظرية أو عزله اجتماعياً ودينياً، نجد في حديث آية الله أسد الله بيات جواباً شافياً حيث يقول «أصل ولاية الفقيه هو أمر سياسي وفقهي، وفيه اختلاف بين الفقهاء، وإن كان العمل به يُعدّ صحيحاً إلاَّ أنه ليس أصلاً من أصول الدين، ولا يعدّ انكاره كفراً أو فسوقاً، والعالِم الذي يقول بذلك فاقد للعدالة ولا يجوز الصلاة خلفه».
فأي دعوة تلك التي أثار بها «الراديكاليون» دعاويهم واتهاماتهم السافرة الهمجية على النظام البحريني القائم؟ وأي منفذ ذاك الذي كانوا يتوقون لتحقيق الديمقراطية من خلاله إن كان كبار المعممين الإيرانيين يصفونه بالديكتاتورية بشكل أو بآخر؟! وأي ولاية فقيه يتنازعون عليها في ظل تلك الشبحية في صورة الولي الفقيه الأمثل للحكم، وإن كان يملك جميع الصلاحيات في البلاد بمفهومها المطلق أو المقيد؟!
في ظل ذلك التذبذب في المفهوم وعدم اكتمال الصورة حتى لدى الراديكاليين البحرينيين الذين ينعقون باسم «الولي الفقيه» ليل نهار، يمكنني القول «أولاً وآخراً.. يسقط الولي الفقيه.. في الحكم».