سندعم الثوار في سوريا بالطعام، فلا يقاتلون بأمعاء خاوية، إلى أن يجد بوتين الحل «السحري». إن كانت تلك هي «الرؤية» الأمريكية «الجديدة» في مقاربة حرب وثورة أوشكتا على توديع عامهما الثاني في سوريا، وإذا صح افتراض تفويض إدارة الرئيس باراك أوباما الكرملين تجريب حظه في إيجاد ذاك الحل، فالحال أن ما أطلقه وزير الخارجية الأمريكي جون كيري خلال جولته الخليجية من مواقف، لا يعني سوى الانتقال من الانكفاء إلى دبلوماسية السلحفاة العجوز.
دعم أمريكي لبطون خاوية، في مقابل دعم عسكري روسي إيراني للجيش السوري بما يكفي لمنع انهيار النظام، والحول دون انتصار من يصنفهم الكرملين «متطرفين» أو مجموعات مسلحة. والسؤال هو هل تمخضت وعود كيري عن «جسر جوي» لنقل الأجبان والوجبات الجاهزة إلى «الجيش الحر»، فيما صواريخ «سكود» مازالت تتساقط على المدن وتمحو الحجر والبشر؟
قد يعني إسقاط مدينة الرقة شمال سوريا، بداية «تغيير لموازين القوى» على الأرض، راهنت عليه الدول التي شاركت في اجتماع روما. وفي حين لا يتبدل التباين بين مفهوم موسكو لحوار بين النظام والمعارضة، لا يستثني الرئيس بشار الأسد، ويستبعد الغرب ودول عربية بينها دول مجلس التعاون الخليجي، أي دور للأسد في المرحلة الانتقالية، كان واضحاً أن الرئيس السوري بدد ثمرة الضغوط الروسية على وزير خارجيته وليد المعلم الذي أعلن القبول بحوار مع المعارضين المسلحين، إذ اشترط الأسد إلقاء السلاح.
عودة إلى المربع الأول إذاً، لذلك التقطت موسكو خيطاً آخر لصرف الانتباه عن مبادرتها التي ولدت ميتة، إذ تجعل الضحية جانياً، والجاني معبراً ضرورياً للحل. لكن اللافت في تضخيم روسيا خطر «المجموعات المسلحة» في الجولان المحتل هو تزامنه مع تلويح إسرائيل بخطوات لدرء انفلات على تخوم الهضبة المحتلة.
وإذا كان الأسد وجه الضربة الأولى إلى «المبادرة» الروسية باشتراطه أولوية إلقاء المعارضة السلاح، فالضربة الثانية سارعت إليها إيران بدعم علني لـ«شرعية» بقاء الرئيس السوري حتى عام 2014 وموعد الانتخابات المقبلة، كأن طهران توجه رسالة إلى الغرب وأمريكا خصوصاً، فحواها أنها تحتكر ورقة الحل.
واضح أن التباين الروسي الإيراني إزاء الصراع في سوريا، لن يساهم إلا في ازدياد تشبث الأسد بقوله إنه لا يسمع أحداً من شعبه يطالبه بالتنحي أو الرحيل، وربما لم يسمع بسقوط 70 ألف قتيل خلال الحرب التي يسميها «كونية». وهو إذ يعلن «انتصاره» ويغامر بإضعاف الدعم الروسي له سياسياً، يبدو رهينة حسابات إيرانية أفلحت منذ مارس 2011، لكنها تتحول حبلاً على عنق النظام كله، كلما نجح «الجيش الحر» في استنزاف قواته.
وفي مقابل التباين الروسي الإيراني، تباين خليجي أمريكي إزاء تسليح المعارضة، بل استياء خليجي صامت من نهج السلحفاة الذي باشرته إدارة أوباما الثانية ومازال تحت سقف قلقها من غياب ضمانات بعدم وصول السلاح إلى «الأيدي الخطأ» «جبهة النصرة» وسواها من الفصائل المتشددة».
هي ذاتها الأيدي التي تراها موسكو وتل أبيب تحرك كوابيس الجولان، ويهجر خطرها عناصر من قوات الأمم المتحدة في الهضبة. ومرة أخرى تلتقي الذرائع الأمريكية والروسية، فيكسب النظام السوري مزيداً من الوقت ويخسر السوريون آلافاً من الأرواح، تربح المعارضة دعماً للأمعاء الخاوية، إغاثة أمريكية غذائية، وتربح إسرائيل مزيداً من فرص الابتزاز لإدارة أوباما.
لن يكفي السوريين ترديد واشنطن مقولة فقدان النظام ورأسه كل شرعية، كما لن يوقف أسى أوباما جنون القتل والتدمير الشامل لسوريا. وإن كانت حصيلة سنتين من المأساة، أقنعت الولايات المتحدة بتقديم الطعام للثوار، فالحال أن الحوار الروسي الأمريكي مرشح أيضاً لتمديد الحرب ومآسيها.
قد يبدو لبعضهم أن الحليف الإيراني للنظام السوري يستخدم الثورة والقلق الغربي من احتمالات تحكم «جبهة النصرة» والمتشددين بمسارها، ورقة جديدة للتسويف في المفاوضات «النووية»، مفترضاً أن أولوية الدول الكبرى الانهماك في منع تمدد الحرائق من سوريا إلى ما وراء حدودها. ولكن، ماذا لو صدقت واشنطن، وأعلنت نهاية السباق مع المراوغة الإيرانية؟
لعل مصير الثورة في سوريا يبقى إلى حين بين من لا يسمع ولا يرى ولا يصدق في دمشق، ومن يتوهم في طهران أن السلحفاة الأمريكية ستظل لاعباً وحيداً.
ويبقى الأكيد هو صدق التحذيرات الأمريكية الروسية من تمدد نار الحرب في سوريا إلى الجوار، فيما لبنان المنقسم على ذاته وعلى «النأي بالنفس» يتطوع وزير خارجيته بالدعوة إلى تفعيل عضوية سوريا في الجامعة العربية، بالتالي إحياء شرعية عربية للنظام. قبل ذلك بساعات قليلة، وصف رئيس الوزراء القطري حمد بن جاسم رأس النظام بأنه «إرهابي».
و«الحكمة» في لبنان أنه ينأى عن نفسه فيهرول إلى الحرائق.
نقلاً عن صحيفة «الحياة» اللندنية