استعرضنا في مقالات سابقة عديدة ما جاء في الأناجيل وأسفارها، والتوراة وتلمودها بشأن ما يتوقع الإنجيليون والتوراتيون حدوثه لنهاية العالم، وما يترتب عليه من كشف أسرار السياسات الأمريكية المتصهينة إزاء منطقة الشرق الأوسط. وكان ذلك بمثابة خارطة الوصول للفكر الغربي المعادي للإسلام والإسلاميين، ولعل هذه الغاية أولى الأسباب الداعية للتركيز على الكتب المقدسة عدا القرآن الكريم في مراحل سابقة.
ولتكون الصورة مكتملة في ذهن القارئ، فإنه ليس ثمة شك في صحة كثير مما طُرح في الأسفار والتلمود وسلامة بعضه من الوضع البشري، وإن سلمنا يقيناً بأن طالهم التحريف في كثير من المواضع كذلك. ومن أكثر ما يعزز هذا الرأي، القواسم المشتركة في تفاصيل نهاية العالم وقرب وقوع الساعة ما بين الكتب المقدسة السابقة والأدلة الإسلامية على لسان خير البشر النبي محمد صلى الله عليه وسلم، فقد أخبرنا معظم الأنبياء السابقين والكتب السماوية والنبي محمد صلى الله عليه وسلم بالمعارك التي ستدور في نهاية الزمان وبالقوى العظمى التي ستظهر في تلك الفترة. وقد عُرفت هذه المعارك في الكتب السماوية باسم «معركة هرمجدون»، فيما أطلق عليها الدين الإسلامي اسم «الملاحم الكبرى». وقد أكد رسولنا الكريم أن هذه الملاحم ستكون آخر علامة من العلامات الصغرى، يليها مباشرةً خروج المسيح الدجال الأكبر بعد عدد من الدجلة، وهذه إحدى العلامات الكبرى للساعة.
وذكرت المصادر الإسلامية علامات متعلقة بالأحداث السياسية العربية والدولية والمرتبطة بشكل مباشر بالملاحم الكبرى، بل والمؤدية إليها. وقد تجاوز ما تحقق منها حتى يومنا هذا العشرين حدثاً فيما بقي منها قليل. وقد جاء في مقدمة تلك الأحداث بعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم ثم موته، والفتوحات الإسلامية وكثرة الخلافات والفتن بين المسلمين، وكثرة الحروب والقتل بين الناس.
ويليها تولي الأمراء الظلمة والوزراء الفسقة والفقهاء الكذبة والقضاة الخونة لمقاليد الحكم، وانتشار الربا ونقص الكرام وكثرة اللئام، ولعل من المضحك أن يذكرني هذا بقضية الثلاث كنارات. أيضاً من العلامات المتحققة التي جاء ذكرها في الدين الإسلامي اتباع الناس لأصحاب المذاهب الباطلة والأفكار الهدامة، إلى جانب ظهور التطور التكنولوجي والتقدم العلمي المادي، وقلة العلم الديني، وكثرة الزنا وشرب الخمر وعودة الجهل الفكري. كما ذكرت الأحاديث النبوية الشريفة عدداً من العلامات الأخرى نحو قطيعة الرحم، وانتشار المعازف وكثرة الراقصين والراقصات، فضلاً عن مشاركة المرأة زوجها في التجارة «خروج المرأة للعمل»، وإماتة الصلاة بينما يتباهى الناس بالمساجد، ناهيك عن انتشار الرشوة وغلاء الأسعار وظهور المسحاء الكذبة وآخرهم المسيح الدجال -الذي جئنا على ذكره في موضع سابق.
وتستمر العلامات الإسلامية المتحققة قبل وقوع الملاحم الكبرى ككثرة الزلازل، وظهور المباني العالية الشاهقة والأبراج السكنية وناطحات السحاب، والتقليد الأعمى للغرب «اليهود والنصارى»، إلى جانب تعاظم الدول الأوروبية من الناحية العسكرية والبشرية، واحتلال الدول الاستعمارية الإسلامية وسلبها لثرواتها، وقد جاء في حديث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه: «توشك أن تداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة إلى قَصعتها، فقال قائل: أَوَمن قلة نحن يا رسول الله؟ قال: بل أنتم يومئذٍ كثير ولكنكم غُثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهنَ، فقال قائل: يا رسول الله وما الوهن؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت»، وفي رواية أخرى: «كراهية الجهاد».
وهذا هو حال المسلمين اليوم ومنذ فترة ليست بقصيرة. واستطراداً لتلك العلامات يظهر الحكم الجبري الديكتاتوري العسكري في الدول الإسلامية، ويفتح المسلمين القسطنطينية البيزنطية «إسطنبول»، وقد حدث ذلك بقيادة محمد الفاتح العثماني المسلم عام 1453م، وهي من العلامات التي ستسبق فتح رومية «روما أو الفاتيكان» والتي سيتم فتحها في أواخر الملحمة الكبرى كما جاء في أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم. ولا نغفل عن علامات أخرى متحققة كتجمع اليهود من شتات الأرض في فلسطين، وفي الحديث المعروف عن النبي صلى الله عليه وسلم حول مقاتلة المسلمين اليهود واختباء الآخرين خلف شجر الغرقد، إشارة إلى أن نهاية اليهود ستكون في الأراضي الفلسطينية التي اجتمعوا إليها. ولذلك تعد هذه العلامات من العلامات المتحققة السابقة لوقوع الملحمة الكبرى. يلي تجمعهم أيضاً اندلاع المعارك بين المسلمين واليهود بعد احتلالهم فلسطين وإشعال الانتفاضة الفلسطينية.
ومن الأحداث السياسية الحديثة أيضاً بداية عهد الملاحم باشتعال حرب الخليج، ثم تدمير العراق، وفرض الحصار الاقتصادي والعسكري عليها بعد الحرب، ففي رواية مسلم عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يوشك أهل العراق ألا يجيء إليهم قفيز ولا درهم، قلنا: من أين ذاك؟ قال: من قِبل العجم يمنعون ذلك ........». ويلي العراق فرض حصار اقتصادي على سوريا من قبل الدول الأوروبية، واستطراداً للحديث السابق: «ثم قال صلى الله عليه وسلم: يوشك أهل الشام أن لا يجيء إليهم مدى ولا دينار، قلنا: ومن أين ذاك؟ قال: من قبل الروم. ثم سكت هنيهة، ثم قال: يكون في آخر أمتي خليفة يحثو المال حثياً لا يعده عدّاً».
ومن العلامات السابقة لوقوع الملاحم الكبرى قليل مما لم يتحقق بعد فيما قَرُبَ أغلبه حسب معطيات المشهد السياسي في المنطقة، نحو احتمال تقسيم العراق لثلاث دويلات، وظهور كنز من ذهب تحت نهر الفرات تتنازع عليه الطوائف العراقية وبعض الدول الإسلامية المجاورة لها، فضلاً عن إنشاء حلف بين الدول الإسلامية الشرق آسيوية بزعامة إيران والعراق وباكستان وأفغانستان «حلف الرايات السود»، وتمخض الثورات العربية السورية عن تنصيب حاكم سوري موالٍ للغرب والأمريكان «السفياني»، ثم ظهور المهدي المنتظر وتحقيق الوحدة بين الدول الإسلامية تحت قيادته وتحرير المسلمين للقدس من أيدي اليهود كما أشرنا في موضع سابق بقرب نهايتهم بعد اجتماع شتاتهم في فلسطين. وهو ما يتفق عليه جميع الأديان في تحديد منطقة «مجدو» الفلسطينية كبقعة تقوم عليها معارك آخر الزمان.
كانت هذه السلسلة دليلاً مختصراً لما يدور في العقول التدميرية الأمريكية الصهيونية، فإلى أي مدى سيتم الاستفادة منها في التعاطي مع مجريات الأحداث الراهنة والقادمة في منطقة الشرق الأوسط؟! يجيب عن هذا السؤال المشهد السياسي نفسه، وكثير من قادته، وخصوصاً القادة المسلمين والعرب، وكذلك كبار القادة العسكريين والساسة.