شهدت مصر في الأسبوع الفائت احتفالات مميزة بذكرى تحرير سيناء في أبريل 1982، وارتبطت تلك الاحتفالات بالتذكير بشهداء مصر في معركة تحرير سيناء التي بدأت بعد أيام قليلة من احتلالها وتحديداً في مدينة بور فؤاد.
وشملت الاحتفالات تحقيقات صحفية وإذاعية وتلفزيونية عديدة بما فيها مقابلات مع بعض أبطال القوات المسلحة المصرية التي قاد بعض معاركها الشهيد الفريق عبد المنعم رياض قبل استشهاده في 9/3/1969، كما شملت أبطالاً من قوات الصاعقة والمجموعة «39 قتال» التي قادها الشهيد العميد إبراهيم الرفاعي وقد رووا بطولات وانجازات من حق كل مصري وعربي أن يفخر بها، كما يفخر بعبور قناة السويس في 6 اكتوبر 1973، الذي جاء تتويجاً لسلسلة عمليات فدائية رائعة، واستخبارية مذهلة، ومقاومة شعبية متميّزة، امتدت على مدى ست سنوات.
لا بل شملت تلك التحقيقات الاعلامية تفاصيل المفاوضات «الشرسة» التي أدت إلى استعادة مصر لموقع طابا الاستراتيجي حيث رأى المصريون علم بلادهم يرتفع في سمائها، فيما يجري إنزال علم الكيان الصهيوني في اللحظة ذاتها.
عزا البعض الاهتمام المصري الخاص هذا العام باحتفالات تحرير سيناء لأسباب كثيرة:
1 - إن المصريين بعد ثورة يناير، وكان أهل سيناء وشبابها شركاء أصليين فيها، أصبحوا أكثر قدرة على التعبير عن مشاعرهم الحقيقية وعن اعتزازهم بجيشهم ومقاومتهم وقد ترجما بكفاءة عالية شعاراً خالداً أطلقه يوماً الرئيس جمال عبدالناصر الذي قال: «ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة»، ومنها أيضاً إحساسهم بالحرمان والتهميش البالغين اللذين تعّرضت لهما سيناء وأهلها وقبائلها من قبل النظام السابق واللذين ما زالا مستمرين رغم مرور أكثر من عامين على الثورة، وتسعة أشهر على انتخاب محمد مرسي رئيساً للجمهورية.
وقد أشار متخصصون بمسألة سيناء إلى أن بعثة خبراء كورية قد قامت مطلع الثمانينات بدراسة حول تطوير شبه الجزيرة ذات الأهمية التاريخية والإستراتيجية لمصر، وخرجت يومها البعثة الكورية بأن سيناء مؤهلة لأن تكون شبيهة بسنغافورة لوفرة الموارد الطبيعية والسياحية فيها. وقال الخبراء أيضاً إن تلك الدراسة وضعت في أدراج المسؤولين المصريين، وما زالت، منذ أكثر من ثلاثين عاماً.
2 - ولعل من الأسباب التي تقف وراء هذا الاهتمام إن مخاوف كبيرة تستحوذ على نظرة المصريين، وخاصة أهل شمال سيناء، من حال تطور الفلتان الأمني المريع التي تشهدها تلك المنطقة، وكان أخطرها استشهاد 16 عسكريـــاً مصرياً في رمضان الفائت، على يد مسلحين في عملية إرهابية ما زال الغموض يكتنف مصير مرتكبيها ومن وراءهم، فيما تتصاعد التساؤلات حول أسباب عدم نشر التحقيق في هذه القضية رغم مرور أشهر عديدة عليها.
3 - لكن من يتابع الاهتمام المصري بهذه القضية يلاحظ أن جهداً كبيراً يبذل من أجل تركيز الأنظار باتجاه مخطط إسرائيلي يرمي إلى فصل الشريط الشمالي من سيناء عن مصر وربطه بغزة في إطار ما يسمى بمشروع «غزة الكبرى»، بل إن جهداً أكبر يبذل للإيحاء بأن هناك نوعاً من التواطؤ، بين من يحكم مصر ومن يحكم غزة، على تنفيذ هذا المشروع في إطار تسوية سلمية مرتقبة للقضية الفلسطينية يرعاها بعض أهل النفط في الخليج عبر استخدام نفوذهم المالي لدى أطراف عدة في المنطقة.
لا بل أن أحد الإعلاميين في مصر أعلن صراحة أن حكومة قطر قد أعلنت، خلال وجود الرئيس مرسي في السودان عن تخصيصها ثلاث مليارات دولار لدعم الاقتصاد المصري، ولكنها جمّدت إرسال المبلغ بعد تصريح للرئيس المصري في القاهرة إثر لقائه بقادة القوات المسلحة المصرية بأنه «لن يفرط بحبة تراب من أرض مصر» متراجعاً بذلك عن وعود، حسب ذاك الإعلامي، أنه قطعها لقطر التي كانت حكومتها بدورها قد قطعتها لواشنطن «بتدجين المقاومة في غزة وترويض الإخوان في مصر» لينخرطوا في مشروع تسوية للقضية الفلسطينية يبدأ بغزة باعتبارها الرقم الأصعب في المعادلة الفلسطينية.
4 - في ظل هذه الاتهامات - الشائعات، تزداد حملات التحريض ضد حركة حماس واتهامها بالضلوع في مخطط توطين الفلسطينيين في سيناء، كما في المشاركة في أعمال قمع المعارضة المصرية لصالح جماعة الإخوان المسلمين، وهي اتهامات ينفيها قادة حماس، كما ينفيها قادة وطنيون مصريون كما ورد في بيان مشترك صادر عن السيد حمدين صباحي والدكتور موسى أبو مرزوق إثر زيارة قام بها الأخير لصباحي ولعدد من قادة المعارضة المصرية حيث أكد القائد الحمساوي البارز أن «حماس على مسافة واحدة من كل الأطراف المصرية».
في هذه الحملات الإعلامية يبرز منطق واحد عرفناه في غير قطر عربي، وهو الحديث عن التوطين كمقدمة للفتنة، أو عن فتنة تخدم مشروع التوطين.
ففي لبنان لا يتوقف الحديث عن توطين الفلسطينيين، وفي الأردن ازداد الحديث مؤخراً عن وطن بديل يضم شمال الأردن إلى جنوب سوريا إلى غرب العراق مهمته استيعاب ملايين الفلسطينيين بعيداً عن أرضهم.
في مصر حديث عن «احتلال» فلسطيني لسيناء، دون أن ننسى كيف أدى الاحتلال الأمريكي للعراق إلى طرد عشرات الآلاف من الفلسطينيين المقيمين في بلاد الرافدين بعد قتل من قتل منهم.
واليوم نرى في سوريا مشروع تشريد جديد للفلسطينيين من مخيماتهم، كما حرمانهم من ظروف عيش كريمة وفرتها لهم سوريا منذ عقود، وهو تشريد يأخذ شكل إقحام المخيمات في المحنة السورية تحت شعارات أطلقها بالبعض: «بأن السيطرة على اليرموك هي ضرورة لمعركة دمشق»، أي بالمصطلح اللبناني الشائع «الطريق إلى دمشق يمر باليرموك»، أو في ظل تعبئة مضادة ضد الشعب الفلسطيني واتهامه بالضلوع في المؤامرة على سوريا.
إن اشتداد الهجمة على الفلسطينيين في غير بلد عربي بقدر ما هو ظاهرة سلبية خطيرة، فإنه بالمقابل تأكيد على أن فلسطين باتت قضية داخلية في كل قطر عربي مهما تباعدت الجغرافيا بينه وبين فلسطين.
ومثلما شهدت بداية القرن الماضي مشروعاً استعمارياً لزرع الكيان الصهيوني كحاجز بين أبناء الأمة الواحدة، فإن بدايات هذا القرن تشهد لمشروع استعماري – صهيوني يريد تصفية قضية فلسطين والتحريض على شعبها كمشروع لتمزيق وحدة الكيانات الوطنية القائمة بل لتفتيت مجتمعاتها مستغلين دون شك أخطاء وتجاوزات تبرز هنا أو هناك.
فإذا كان الخائفون من توطين الفلسطينيين في بلادهم وعلى حسابهم ينزلقون إلى مخطط للفتنة يبدأ ضد الفلسطينيين ليصبح بين أبناء البلد الواحد، فإننا وكل الرافضين للتوطين من موقع التمسك بحق كل فلسطيني بالعودة إلى أرضه وبيته وممتلكاته، ندعو هؤلاء الخائفين إلى سلوك درب تحرير فلسطين، فيحرروا أنفسهم وأمتهم من مخاوف مصطنعة لا تقود إلا إلى المزيد من الفتن.
اغتصبوا فلسطين لمنع الوحدة، فلنسعى إلى الوحدة، وطنية وقومية، لتحرير فلسطين، كل فلسطين... ولنفوّت الفرصة على كل اللاعبين بنار الفتن، وعلى كل المصطادين في الماء العكر.
ولتكن فلسطين بوابة عبور الأمة إلى الوحدة، بدلاً من أن تكون مشروع انزلاق الأمة نحو الانهيار.