اعتدنا من الغرب أن البحرين بها «أغلبية شيعية وتحكمها أقلية سنية»!
هذا ما تأتي به خلفيات الأخبار حول البحرين في مختلف وكالات الأنباء، ولذلك كانت الأخبار قبل فترة تتحدث عن ثورة شيعية ضد الأقلية السنية، وبعدها تحولت إلى احتجاجات شيعية ضد الأقلية السنية، وصارت الآن مطالبات شيعية بإصلاحات سياسية تؤدي إلى ملكية دستورية حقيقية.
كيف يتعامل الغرب الآن مع أخبار العراق؟ وهل هناك ثورة من السنة ضد الحكومة الشيعية برئاسة المالكي؟
وهل صدرت بيانات من الحكومات الغربية تدين فض الاعتصامات والتظاهرات؟ أين المنظمات الحقوقية الدولية؟
بالمقابل ما موقف مراجع النجف مما حدث عندما قام الجيش العراقي وتدخل لفض اعتصام للسنة، وراح ضحيته العشرات ومئات الجرحى؟ خاصة وأن مواقفهم كانت واضحة عندما اعتصمت الجماعات الراديكالية في البحرين ورفضوا فض هذا الاعتصام ودعموا إسقاط النظام آنذاك؟!
لن نجيب على جميع هذه الأسئلة، ولن نقارن الأوضاع بين المنامة وبغداد، لأن هناك موضوعاً أكثر أهمية. فهذه الأيام تكشف لنا بعداً آخر قد يكون سمة جديدة في النظام الإقليمي الخليجي، فبعد الديمقراطية القسرية التي تمت هندستها بالتزامن مع غزو العراق، أثبت النظام السياسي العراقي هشاشته وأن حكومة ولاية الفقيه باتت مطلباً للتغيير السياسي، لماذا؟
ثمة تفسيران لهذا الموضوع؛ فهناك من يرى أن هناك قوى سياسية تعمل من الخارج لإفشال وإسقاط حكومة المالكي باعتبارها حكومة تمثل خط ولاية الفقيه. والتفسير الآخر يرى أن هناك عدم توازن داخل النظام السياسي العراقي، وهو ما يتطلب تصحيحه، لأن مكونات المجتمع العراقي تشعر بالتمييز والاضطهاد والتهميش، وأبرز مظاهر ذلك في ما يتعلق بالخدمات، فعلى سبيل المثال الاحتياجات الإسكانية للمواطنين العراقيين تتجاوز 3 ملايين وحدة سكنية، والحكومة لم تتمكن من تحقيق الحد الأدنى من هذه الطلبات حتى الآن.
وسواءً اتفقنا مع هذين التفسيرين أم اختلفنا، فإن الوضع السياسي والأمني في العراق خطر للغاية، ويشير إلى أن الديمقراطية التي بنتها الولايات المتحدة هناك لم تتمكن من تحقيق العدالة والمساواة بين المواطنين، ولم تمكن المواطنين من التعبير عن آرائهم وتحقيق تطلعاتهم بشكل سلمي، وهو ما دفعهم للجوء إلى أساليب أخرى قد تكون غير سلمية.
وصار لافتاً أن هناك مخاوف غربية من تصاعد العنف في العراق لتكون هناك «ثورة للطائفة السنية ضد الحكومة التي تقودها الطائفة الشيعية» كما أوردتها صحيفة لوس أنجلوس تايمز الأمريكية الأسبوع الماضي.
الأمر الذي يؤكد أن الفترة المقبلة تحمل أبعاداً للصراع الطائفي في المنطقة بشكل لن يقتصر على العراق فحسب، وإنما سيشتعل ليشمل أربع بؤر، وهي؛ سوريا، والعراق، ولبنان، والبحرين باعتبارها مجتمعات تعددية تعاني من صراع سني - شيعي، وبها خطوط تماس للصراع الطائفي الذي يتفاوت في حدته بين وقت وآخر.
ما يثير في المسألة أن منطقة الشرق الأوسط لم تشهد خلال القرون الأخيرة صراعات طائفية بهذه الحدة في عدة بؤر في الوقت نفسه، ولذلك سيكون التعامل معها محط أنظار، سيما وأن هناك أطرافاً إقليمية ودولية مستعدة للتدخل لتحقيق بعض المكاسب أو حماية مصالحها. فعلى سبيل المثال هناك إيران التي لن تقف مكتوفة الأيدي إزاء هذه التطورات، ولن تسمح أبداً باندلاع ثورة سنية في العراق، لأنها تؤثر عليها من حيث التعامل مع الأغلبية السنية التي تقطن في الأقاليم الجنوبية مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في 14 يونيو المقبل، أي بعد أقل من شهرين من الآن. ومن الأطراف أيضاً المعنية بمثل هذا التدخل الولايات المتحدة الأمريكية التي تملك مشروعاً طموحاً لإعادة تشكيل منطقة الشرق الأوسط لتكون قائمة على المكونات الإثنو - طائفية بدلاً من المجتمعات التعددية التي كانت سائدة طوال العقود الماضية، وعليه فإنه ليس متوقعاً من واشنطن أن تتخذ إجراءات نحو وأد الثورة السنية الوليدة في العراق بل من المتوقع أن تتجاهلها لتتصاعد وتتجه نحو حالة من الصراع السياسي الذي قد يكون عنيفاً لتتفق لاحقاً مكونات المجتمع العراقي على تقسيم أقاليم البلاد وفقاً لأسس إثنو - طائفية شاهدناها في العديد من الخرائط.