تستثمر إيران موقعها الاستراتيجي والاقتصادي، وتستخدم «الشيعة» كأيديولوجيا وأداة، فضلاً عن استثمارها للروابط الطائفية والإثنية في الجوار، كالعلاقة الوطيدة مع شيعة العراق مثلاً. وقد مارست نفس الاستثمار في الإسلام، عندما صورت العداء بينها وبين أمريكا لدواعٍ إسلامية، وكصراع بين الأديان والثقافات والخير والشر لسنوات طويلة، فأطلقت على أمريكا اسم «الشيطان الأكبر» في استبدال ضمني لذراعيها بجناحي ملاك طاهر!!
ولعلنا نلحظ «التوتر الصديق» في العلاقات الإيرانية الأمريكية في الآونة الأخيرة، ما يبرر موقف إيران منها على سنوات طوال، نظراً للرغبة الملحة لدى الأخيرة في تحقيق كيان وثقل أكبر في العالم، وأن تمنح سيادتها ونظامها مزيداً من الاحترام، ما يعزز قراراتها السياسية ويجعل منها نظاماً قوياً في العالم، الأمر الذي يبرر على صعيد آخر تمسكها بالبرنامج النووي. وهو ما رفضته أمريكا مسبقاً لعدة أشباب أبرزها السيادة الأمريكية المهيمنة على العالم بلا وجود شريك أو منافس.
لطالما عملت إيران كذلك على ترسيخ نفوذها في العراق، بانتهازيتها المعهودة واستغلالها للرموز الدينية والقوى السياسية الشيعية المؤيدة أو التابعة لها، فضلاً عن الدعم المالي وتزويد الميليشيات بالسلاح وغيره.
رغم «عروبة العراق»! لا يمكننا أن نغض الطرف أبداً عن التاريخ الفارسي في مرحلة ما قبل الإسلام، والذي كان متحفظاً جداً بسياسة عدم الارتباط بالعالم الإسلامي، وكذلك العربي!! ولعل هذا ما يطرح تساؤلات مهمة على طاولة النقاش حول سر تلك العلاقة الإيرانية الوطيدة مع بعض العناصر الشيعية السياسية التي تحكم العراق حالياً، رغم التنافر المكشوف والعداء المعلن في وقت سابق على «البعث» وعراق «صدام يزيد» -الاسم الذي أطلقته إيران إبان حرب الخليج الأولى- كما يفرض تساؤلاً حول الأسباب التي تجعل من إيران داعماً لوجستياً للعراق، كما تفعل مع عناصر من الشيعة في بقية الدول العربية كالبحرين مثلاً!! ولعل من دهاء طهران ألا تسمح رغم ذلك بنشوء جمهورية عراقية قوية، الأمر الذي يجعل إيران في سعي دؤوب على تفتيت العراق طائفياً وكذلك القومية العربية العراقية.
باعتقادي، إن ما سبق يوجب الحذر الخليجي من داخل مجلس وزراء الداخلية العرب، لاحتوائه على عناصر ممثلة لدول قد لا تؤتمن في مساعيها، نظراً للعلاقة الوطيدة التي تجمع نظامها القائم بعدونا الإيراني اللدود. فرغم كل الجهود التي يبذلها المجلس والتي هي محل إشادة، دعونا لا ننسى كل الاحتمالات المترتبة في ما يتعلق ببعض الدول الأعضاء. هذه الدعوة ليست تحريضية ولا تخوينية، وإنما لا تعدو كونها تحذيراً وتنبيهاً قبل أن يقع الفأس بالرأس، لا سمح الله.
كلنا نعلم أن ضعف أي دولة أو مجموعة من الدول يعد بمثابة الفرصة السانحة للاستغلال وتحقيق المطامع والأهداف بطرق ميسرة، وهذا ما ترنو إليه إيران في ظل الوضع الخليجي الراهن. ولعل من الجيد جداً نبأ تطور قدرات الأجهزة الأمنية في مكافحة الإرهاب في كل من البحرين والسعودية والعراق، المعلن عنه في بيان الرياض لمكافحة الإرهاب، ولكن ذلك لا يغني عن مزيد من التوحيد للجهود، ووضع خطط استراتيجية حقيقية لدول مجلس التعاون الخليجي، وإمداد بعضها بعضاً بالدعم اللوجستي ما استلزم ذلك، فما تضخه إيران في دول الخليج من تمويل للإرهاب يندى له الجبين، ولابد من السيطرة عليه ومكافحته.
وعند الحديث عن ضرورة التعاون الخليجي بصورة أكبر على كافة الأصعدة بما يحقق أمن المنطقة وأنظمتها الحاكمة، لعل من الإنصاف التأكيد على الدور الفاعل للدول الخليجية الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي، تأتي في مقدمتهم الرائدة المملكة العربية السعودية. ولكن لابد أن يكون هناك شراكة حقيقية فاعلة في تحمل مسؤولية الخليج العربي كاملاً من قبل الأنظمة الحاكمة الستة وممثليها على السواء، وبلا استثناء. لابد أن يقدم الخليج العربي رسائله للعالم واضحة، بما يبرهن قوته وثباته عبر الاتحاد الحقيقي بمعزل عن تلك المسميات والعناوين الرنانة خاوية المعنى والمضمون في بعض الأحيان. فيا قادة دول الخليج العربي، متى الاتحاد؟!