بالرغم من القسوة غير المسبوقة التي يبديها النظام القاسي في دمشق وحالة الجنون التي استبدت به، أعتقد أنه يجب أن نكون ضد إسقاط الدولة السورية- لأن الموافقة على إسقاط هذا البلد العربي على النحو الذي حدث في العراق- إذا ما حدث- سيكون كارثة إضافية على الوطن العربي وخارطته التي يراد لنا أن تتجه نحو المزيد من التفتيت والتفكيك، بل إن هنالك العديد من التحليلات تشير إلى أن سقوط الدولة السورية سوف يكون مقدمة للعمل مباشرة على محاولة إسقاط دول الخليج التي سوف تكون في هذه الحالة الهدف الموالي، في إطار التدريب على إسقاط الأنظمة المغلف بعنوان ( التحول الديمقراطي).
هنالك خطان لابد من التمييز بينهما في تقديري: طبيعة النظام في سوريا والحاجة إلى تحوله أو تطويره أو تغييره بالوسائل السلمية والديمقراطية، من ناحية، وإسقاط سوريا «الدولة» من ناحية ثانية، فهما خطان مختلفان، أو يجب أن يكونا مختلفين في الوعي والممارسة والمواقف حتى لا نكرر كارثة التجربة العراقية.
فإذا كان علينا مساندة الشعب السوري في تحقيق الديمقراطية والحرية بالوسائل السلمية شأنه في ذلك شأن كافة الشعوب الطامحة إلى تحقيق المزيد من الديمقراطية والحرية والعدالة ومحاربة الفساد، فإنه من غير المقبول ولا المعقول ولا من الحكمة في شيء العمل على إسقاط الدولة السورية، لتتحول إلى حالة من الفوضى والتفكك الطائفي والإثني كما فعل الأمريكان والإيرانيون بالعراق الشقيق الذي تحول إلى «دولة فاشلة»، فهل من المصلحة العربية أن تضاف إلى القائمة دولة عربية أخرى، وأن يكون إلى جوار الدولة العراقية الفاشلة التي تركها الأمريكان غارقة في الفوضى والطائفية، دولة عربية فاشلة أخرى، لتجتمع الفوضى مع الفوضى والطائفية مع الطائفية لتكتمل الصورة من العراق إلى سوريا وصولاً إلى لبنان.
صحيح أن النظام في سوريا قد أبدى قسوة غير مسبوقة في التاريخ المعاصر، وتحول إلى ممارسة درجة من العنف والتدمير فاقت كل التوقعات، أفقدته جانباً واسعاً من الشرعية في الداخل والخارج، ولكن هنالك مجال أو يجب فتحه لإيجاد طريق آخر – غير العنف المسلح- لتغيير المسار وحماية الدولة السورية (وليس النظام) من السقوط، وللوصول إلى حفظ كيان الدولة السورية لابد من الجلوس مع جميع اللاعبين في المنطقة، لمعرفة كيفية تجنب الفوضى، والحفاظ على كيان الدولة، لأن إلقاء مزيد من الأسلحة في الأرض السورية لن يحل المشكلة، بل قد يزيدها تعقيداً، وقد يطلق نار الفتنة الطائفية على نطاق إقليمي، فحالة الضبابية لاتزال تلف المشهد السوري. فالمعارضة تؤكد تقدم الجيش الحر والكتائب المسلحة على الأرض وتحقيق انتصارات ملموسة، فيما تتحدث وسائل الإعلام الرسمية يومياً عن تصفية و»تطهير» و»تحرير»، ولكن الحقيقة الوحيدة القائمة هي مشاهد الدمار ورائحة القتل المنتشرة في كل مكان، واستهداف المدنيين، وتعقد الوضع المأسوي الذي وصلت إليه الأمور من استهداف البنية التحتية، وطوابير انتظار الخبز والغاز والمحروقات، والموت اليومي العشوائي المترصد للناس في الشوارع.
وبالرغم من ازدياد الحديث عن قرب سقوط نظام الرئيس الأسد، أو احتمال السقوط المفاجئ للنظام، وإقدام المجلس الوطني السوري المعارض على إعلان مشروع «اليوم التالي» لبحث الانتقال الديمقراطي بعد انهيار النظام الذي يصر أنصاره على أن القتال سوف يستمر حتى لو حدث إسقاطه، فإن الصورة لاتزال غير واضحة ولا تساعد على استخلاص أي نتيجة، إلا أنه من الواضح أن مخاطر سقوط الدولة السورية وتفككها باتت ملموسة، وكذلك تزايد احتمالات انتقال العدوى إلى الإقليم العربي الخليجي ولو بعد حين، خصوصاً أن سقوط النظام السوري- حتى في حال تحققه- لن يضع حداً على ما يبدو لهذه الحرب المجنونة، وربما سيدفع إلى مزيد من التدهور والمواجهات المحلية والإقليمية، بما ينذر بتحول سورية إلى دولة فاشلة حيث إن معظم التوقعات لا ترى في المدى المنظور أي تغير في حال حافظ النظام على الحكم في دمشق أو انزوى إلى المناطق الشمالية الغربية الساحلية من البلاد، أو سقط في دمشق وفقد السيطرة على كامل البلاد، حيث تتراوح التوقعات بين انزلاق البلاد نحو أتون حرب أهلية تجمع بين مكونات الحرب اللبنانية والعراقية، وبالرغم من أن الحرب لم تتحول بعد إلى حرب طائفية، فإنه لا يمكن ضبط المزاج العام إلى النهاية.
همس
الهذيان الإيراني الإعلامي والسياسي بشأن البحرين لايزال متواصلاً، وتكفي قراءة التصريح التالي: فقد نقلت وكالة «فارس» للأنباء عن مساعد وزير الخارجية الإيراني للشؤون العربية والإفريقية حسين أمير عبد اللهيان أن «على الرئيس الأميركي أن يعلم بأن مصير سورية والبحرين واحد، وأن أي سياسة خاطئة ضد سورية ستنعكس على المنطقة بأسرها بما فيها البحرين».