العداء البريطاني لفلسطين ليس وليد اليوم؛ إنما هو عداء تاريخي منذ عهد الانتداب في الثلاثينيات، عندما انتدبت بريطانيا على فلسطين وأخذت تمهد لليهود وللعصابات الصهيونية لكي تتدرب على استخدام السلاح وتحضرهم من البلدان الأوروبية في هجرة كبيرة وتساعدهم في شراء البيوت والأراضي، ثم توج هذا العمل الإجرامي بوعد بلفور في الثاني من شهر نوفمبر من العام، 1917 حين صدر في شكل رسالة موجهة من وزير خارجية بريطانيا السير جيمس بلفور إلى كبير يهود بريطانيا اللورد روتشلر، ومنذ صدور ذلك الوعد وبريطانيا تبذل جهودها المتواصلة لإقامة وطن قومي لليهود على أرض فلسطين، وقد تحقق لهم ذلك عندما تقرر في 15 مايو 1948 بعد أن انسحبت بريطانيا من فلسطين وأعلن اليهود استقلالهم، واعترف الرئيس الأمريكي ترومان بذلك الاستقلال خلال دقيقة واحدة، واليوم الرئيس أوباما يرفض أن يعترف بدولة فلسطينية كمراقب فقط في الأمم المتحدة.
مناسبة هذه المقدمة رفض بريطانيا في اجتماع الجمعية العمومية للأمم المتحدة الاعتراف بفلسطين كدولة مراقبة فقط، وامتناعها عن التصويت لصالح فلسطين، وستبقى بريطانيا عقبة في وجه الشعب الفلسطيني وآماله وتطلعاته، بعدما كانت السبب المباشر في ضياع وطنه عندما انتدبت من قبل عصبة الأمم المتحدة، فدبرت تلك المؤامرة الدنيئة مع اليهود لإقامة وطن يهودي على أرض فلسطين مضحية بشعب فلسطين ليبقى أكثر من 65 عاماً شعباً مشرداً، ومن بقي من أبنائه على أرضه أصبح عرضة للموت في أية لحظة تحت رحمة الجيش الإسرائيلي والعصابات الصهيونية الموتورة التي تقوم بقتل الشعب الفلسطيني على مدار السنة وأمام مرأى العالم.
ولعل ما يعانيه أبناء غزة من حصار ظالم لأكبر دليل على بشاعة الحكم الصهيوني وظلم العالم بأسره لهذا الشعب العربي الصابر، وها هي تهود القدس والضفة الغربية بإقامة المستوطنات الصهيونية، عندما ترفض الولايات المتحدة الأمريكية منح الفلسطينيين حق الدولة المراقبة فهذا شيء متوقع، لأن أمريكا هي إسرائيل وإسرائيل هي أمريكا، منذ تأسيسها إلى أن تقوم الساعة، ومن يعتقد غير ذلك فهو مخطئ.
إن أمريكا لن تغير سياستها قيد أنملة تجاه إسرائيل، وها هي، أي أمريكا، تغير الأنظمة في العالم العربي وتغذي الفتن الطائفية،كما تفعل بنا في البحرين، وما أصابعها ببعيدة عما حدث ويحدث في مصر وليبيا وتونس واليمن وما يحدث في سوريا، إنها تهدم الكيانات العربية واحداً تلو الآخر، وقد تحقق لها الكثير، فقد دمرت جيوشاً عربية من أقوى الدول، ودمرت أسلحة وأجهزة عسكرية وأجهزة أمنية، كل ذلك في مصلحة إسرائيل وبأيدي أبناء البلدان العربية دون تدخل أجنبي، فلا غرو حين ترفض قبول فلسطين في الأمم المتحدة كمراقب، إذ لا يثير هذا الرفض استغراب عاقل.
أما بريطانيا فقد كنا نعتقد أنها ستكفر عن سيئتها حين أعلنت وعد بلفور، واعتقدنا أنها ستكفر عن تلك الخطيئة الكبرى النكراء باعترافها بدولة فلسطينية صورية، لكن حتى هذا فهو كثير على العرب أصدقاء بريطانيا الأوفياء الذين يمنحون الوفاء لمن لا يستحقه!