للديمقراطية اسم ولون وعنوان واحد؛ إلا أن استخدامها يختلف من مكان إلى آخر وبحسب الهدف من ذلك الاستخدام، ففي الولايات المتحدة الأمريكية يتم انتخاب رئيسها بالديمقراطية الصحيحة وكذلك السلطة التشريعية، لكن ممارسة هذا النوع من الديمقراطية محظور على العرب استخدامه، وتعتقد أمريكا أن مبدأ المنع أو الحظر الديمقراطي هذا قائم على أن العرب لا يملكون الوعي السياسي والحقوقي لممارسة الديمقراطية، وإذا استخدموها أساؤوا إلى مفاهيمها ومبادئها. فحين يفوز أحد المرشحين بمنصب الرئاسة في أمريكا يذهب إليه المرشح الخاسر ويهنئه ويقول له بأنه مستعد لأن يكون في خدمته وفي خدمة بلاده، تهنئة بعيدة عن التخوين، واستعداداً لا يشوبه أية شائبة بنتائج التصويت والانتخابات.
في أقطارنا العربية تختلف الممارسة الديمقراطية عن ذلك، فالحزب الحاكم الذي سيُدير العملية الانتخابية يوجه مؤشرها لتنصيب الرئيس الذي لا يتمكن أحد من هزيمته، فالديمقراطية هي أن يفوز هذا الرئيس بالرئاسة ثانية وثالثة ورابعة، أما المنافسون الآخرون للرئاسة فيطلق عليهم تسمية (العملاء، المأجورين، أتباع أمريكا وخدمتها، أعداء الشعب والديمقراطية) وغيرها من التسميات التي تحافظ على حق الرئيس السابق والحالي في شغر مقعد الرئاسة دون غيره. إن مَن تتبع مناظرات الانتخابات الرئاسية الأمريكية الحالية والسابقة يتوقف عندها ملياً ليتعرف على أبجديات ممارسة الديمقراطية، في هذه المناظرات يُهاجم كل مُرشح خصمه وينتقده سياسياً وفي مواقفه وفي برنامجه الانتخابي دون التطرق إلى التخوين أو بالقضايا الشخصية لكل مرشح، وهذا هو سر نجاح الديمقراطية الأمريكية أن مَن يقتنع من المواطنين الناخبين برأي المرشح هذا أو ذاك هو الذي سيكون رئيساً، هناك ثغرات في هذا المرشح أو ذاك بجانب العيوب والمزايا، إلا أن المخابرات الأمريكية وبلطجيتها لم يشتغلوا لأجل التصويت لصالح هذا المرشح أو ذاك كما هو في أقطارنا العربية، ولم يكن هناك تخوين أو انتهاك لعرض هذا المرشح أو ذاك.
بجانب الوعي الانتخابي والمنافسة الشريفة بين المرشحين للرئاسة الأمريكية نرى أيضاً التعددية السياسية التي هي شبه غائبة في أقطارنا العربية لعبت دوراً هاماً في الممارسة الديمقراطية، فالحزب الجمهوري (تأسس في عام 1854م) والحزب الديمقراطي (تأسس في عام 1792م) لا يختلفان في رؤيتهما وسياستهما في الكثير من المشاكل الأمريكية إلا في قضية التأثير على الناخبين في وقت الانتخابات الرئاسية والتشريعية، بجانب أحزاب أخرى صغيرة جداً قياساً إلى هذين الحزبين. وبعد الانتخابات الرئاسية والتشريعية تبقى السلطة تمارس من قبل الحزب الفائز بالرئاسة بدون تهميش الحزب والأحزاب الأخرى مما يعمل على استقرار البلاد وتقدمها وتطورها. وجميع الأحزاب الأمريكية متفقة من حيث المبدأ على مبادئ السياسة الخارجية لأمريكا تجاه الدول الأخرى. بينما الأحزاب في أقطارنا العربية تسبب لنفسها ولغيرها من الأحزاب الكثير من المشاكل، وتخلق الكثير من بؤر التوتر في البلاد. ففي بلادنا العربية يتقاتل المسلمون فيما بينهم، وبين المسلمين وغيرهم من الديانات السابقة، وبين العرب والأقليات الوطنية الأخرى، إن الأحزاب العربية تعيش في وطنٍ واحد قد اختلفت في الاتفاق واتفقت على المواجهات.
لقد تمثل الإصلاح السياسي والديمقراطي الأمريكي للوطن العربي في جعل الشعب العربي بأعراقه وأطيافه يعيش في ساحة الاقتتال والاختلاف (عرباً وأكراد، سنة وشيعة، مسلمين ومسيحيين) التقاتل من أجل مكاسب وهمية توزعها الإدارة بين هذه الجماعة وتلك بحيث لا أحد يصبح قوياً، ويكون كل منهما فاقداً الشرعية، ويكون دينهم التقاتل وكعبتهم تجاه واشنطن. فالمشهد السياسي الوحيد الذي يسود أقطارنا العربية (اللاديمقراطي) يتمثل في سيادة طغيان السياسة الشمولية وانتهاج سياسة أنا أحكم وغيري لا، وهي سياسة التهميش والإقصاء للآخر، تنعدم فيه الثقة بين جميع الأطراف في المجتمع الواحد، فالديمقراطية في أمريكا جعلت منها أغنى دولة في العالم ودولة متقدمة ومستقرة، والديمقراطية العربية جعلت من أقطارنا كرة يركلها أبناؤها في كل الاتجاهات. والديمقراطية الأمريكية في أمريكا تستقطب الخصوم قبل العموم، والديمقراطية العربية تنفر الأصدقاء قبل الأعداء.